أركان التشبيه: الركن الثالث: (وجه الشبه) تعريف، أقسام، أوجه -1-

أركان التشبيه:

الركن الثالث: (وجه الشبه)

تعريف، أقسام، أوجه 

-1-

أركان التشبيه:  الركن الثالث: (وجه الشبه)  تعريف، أقسام، أوجه

تعريف وجه الشبه:

وجه الشبه هو الوصف الخاص الذي قصد اشتراك الطرفين فيه، قال ابن رشيق في العمدة: التشبيه: صفة لشيء بما قاربه وشاكله من جهة واحدة أو جهات كثيرة، لا من جميع جهاته لأنه لو ناسبه مناسبة كلية لكان إياه. ألا ترى أن قولهم فلان كالبحر: إنما يريدون كالبحر سماحة وعلما، ولا يريدون ملوحة البحر وزعوقته.


 فقولك: علي كالأسد، ووجه سعدى كالشمس، وجه الشبه في الأول الجرأة والإقدام وشدة البطش المشهورة في الأسد، ووجه الشبه للمثال الثاني الحسن والبهاء الثابتان للشمس.

فإذا أردت أن تشبه حركة أو هيئة بغيرها فعليك أن تبحث عن أمر يشترك فيه الطرفان.
ومثال ذلك قول ابن المعتز:

وكأن البرق مصحف قار ... فانطباقا مرة وانفتاحا

فهو لم ينظر إلى جميع صفات البرق، بل نظر إلى انبساط يعقبه انقباض وانتشار يتلوه انضمام، فشبه ذلك بمصحف القارئ يفتحه مرة ويطبقه أخرى.

ومما ذكر تعلم أن قولهم: (النحو في الكلام كالملح في الطعام) يريدون به أن الكلام لا ينتفع به إلا بمراعاة أحكام النحو فيه، كما لا ينتفع بالطعام مما لم يصلح بالملح، لا أن القليل من النحو مفيد والكثير مفسد كما يفسد الملح الطعام إذا كثر فيه، إذ لا تتصور زيادة ولا نقصان في جريان أحكامه في الكلام لأنه إن استوفى أحكامه من رفع الفاعل ونصب المفعول ونحو ذلك فقد وجد النحو وانتفى الفساد وانتفع به في فهم المراد وإلا لم يوجد وكان الكلام فاسدا.

فقول أبي بكر الخوارزمي: (والبغض عندي كثرة الإعراب) كلام ليس له كبير معنى.

أقسام وجه الشبه

ينقسم وجه الشبه إلى عدة أقسام:

1.   وجه الشبه تحقيقي وتخييلي:

أ‌-     وجه الشبه التحقيقي: هو ما كان متقررا في الطرفين على وجه التحقيق.
ومثال ذلك قوله تعالى: {وله الجواري المنشآت ف البحر كالأعلام} فوجه الشبه هو العظم والضخامة موجود في كل من المراكب والجبال حقيقية.
ب‌-  وجه الشبه التخييلي: هو مالا يكون وجوده في أحد الطرفين إلا على ضرب من التأويل.

فمثال وجه الشبه التخيلي في الشبه قوله:

-      صدغ الحبيب وحالي: كلاهما كالليالي.

ومثال وجه الشبه التخيلي في المشبه به، قول التنوخي:

وكأن النجوم بي دجاه ... سنن لاح بينهن ابتداع

فوجه الشبه هو الهيئة الحادثة من حصول أشياء مشرقة بيض في جوانب شيء مظلم أسود، وهي غير موجودة المشبه به إلا على طريقة التخييل.

ذلك أنه لما كانت البدع والضلالات تجعل صاحبها كمن يمشي في الظلمة فلا يهتدي إلى الطريق الذي تقع له به النجاة.. شبهت بالظلمة وشاع ذلك حتى قيل: شاهدت سواد الفكر في جبين فلان، لتخييل أن البدعة نوع له زيادة اختصاص بسواد اللون، وبطريق العكس شبه الهدى والعلم بالنور واشتهر ذلك كما ورد {أتيتكم بالحنيفية البيضاء، ليلها كنهارها} من حيث تخيل أن السنن ونحوها جنس من الأجناس التي لها الإشراق والبياض في العين.

ومن أجل هذا صار تشبيه النجوم بين الدياجي بالسنن بين الابتداع واضحا جليا كتشبيهها ببياض الشيب في سواد الثياب.

2.    وجه الشبه مركب من متعدد منزل منزلة الواحد:

 وكل منهما إما حسي وإما عقلي، ومتعدد (يقصد فيه اشتراك الطرفين في عدة أمور كل منها وجه شبه على حدته، وبهذا يخالف المركب المنزل منزلة الواحد فإن وجه الشبه فيه الهيئة المنتزعة من عدة أمور).

وجه الشبه الحسي ووجه الشبه العقلي والمختلف بينهما:

أ‌-     وجه الشبه الحسي:

فالواحد الحسي طرفاه لا يكونان إلا حسيين، فإن الوجه أمر منتزع من الطرفين موجود فيهما، وكل ما يؤخذ من العقلي وينتزع منه، يجب أن يدرك بالعقل لا بالحس، لأن أوصاف العقلي يجب أن تكون عقلية، وكذلك كتشبيه الخد بالورد بجامع الحمرة والغضاضة.

ب‌-  وجه الشبه العقلي:

الواحد العقلي طرفاه إما:
-      المشبه والمشبه به عقليان:
 كما يشبه وجود مالا ينتفع به بعدمه بجامع العراء عن الفائدة في قولهم: وجوده كالعدم.
-      المشبه والمشبه به حسيان:
كتشبيه الرجل بالأسد في الجرأة والإقدام والبطش.
-      المشبه عقلي والمشبه به حسي:
كما يشبه العلم بالنور بجامع الهداية في كل.
-      المشبه حسي والمشبه به عقلي:
كما يشبه العطر بخلق كريم، بجامح ارتياح النفس وانتعاشها.

ت‌-  المركب الحسي طرفاه:

-      المشبه والمشبه به مفردان:
كتشبيه الثريا بعنقود من الكرم، لاشتراكهما في الهيئة الحادثة من تقارن الصور البيض المستديرة الصغار في رأي العين على كيفية مخصوصة ومقدار معين في قول كاجم محمود بن الحسين:

وقد لاح في الصبح الثريا كما ترى ... كعنقود ملاحية حين نورا

-      المشبه والمشبه به مركبان:
كالهيئة الحاصلة من سقوط أجرام مشرقة مستطيلة متناسية المقدار متفرقة في جوانب شيء مظلم، في قول بشار:

كأن مثار النقع فوق رؤوسهم ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه

-      المشبه والمشبه به مختلفان:
كما مر من تشبيه الشقيق في موضوع سابق بأعلام ياقوت نثرن على رماح من زبرجد، فالمشبه مفرد والمشبه به مركب، وإما بالعكس كتشبيه النهار المشمس الذي شابه زهر الربا بليل مقمر.

ومن بديع المركب الحسي، ما يجيء في الهيئات التي تقع عليها الحركة، وذلك على وجهين:

1.    أن تقترن هيئة الحركة بغيرها من أوصاف الجسم كالشكل واللون، كقول جبار بن جزء بن أخي الشماخ:

والشمس كالمرآة في كف الأشل ... لما رأيتها بدت فوق الجبل

فوجه الشبه الهيئة الحاصلة من الاستدارة مع الإشراق والحركة السريعة المتصلة مع الإشراق حتى يرى الشعاع، كأنه يهم بأن ينبسط حتى يفيض من الوسط إلى جوانب الدائرة ثم يبدو له أن يرجع من الانبساط الذي هم به إلى الانقباض كأنه يرجع من الجوانب إلى الوسط. فإن الانسان إذا أحدّ النظر لينظر إلى الشمس ولاسيما أول شروقها ليتبين جرمها وحدها تؤدي هذه الهيئة، وكذلك المرآة في كف الأشل.

2.    أن تجرد هيئة الحركة عن غيرها من الأوصاف فهناك لابد من اختلاط حركات كثير للجسم إلى جهات مختلفة كأن يتحرك بعضه إلى اليمين وبعضه إلى اليسار، وبعضه إلى العلو وبعضه إلى السفل. فحركة الدولاب والرحا والسهم، لا تركيب فيها لاتحاد الحركة ...

 يتبع في الدرس التالي


إرسال تعليق

اترك تعليقا (0)

أحدث أقدم