الاستعارة ومنزلتها في البلاغة -2-

الاستعارة ومنزلتها في البلاغة -2-

موقع فوائد

تتمة

قال عبد القاهر في بيان هذا:

إذا دلت القرينة على تشبيه شيء فهذا على ضربين:

1.    أن يسقط ذكر المشبه من البين حتى لا يعلم من ظاهر الحال أنك أردته كقولك: عنت لنا ظبية وأنت تريد امرأة، ووردنا بحرا وأنت تريد الممدوح وهذا تقو انه استعارة ولا تتحاشى البتة.

2.    أن يكون المشبه مذكورا أو مقدرا وحينئذ فالمشبه به إن كان خبرا أو في حكم الخبر فالوجه أن يسمى تشبيها ولا يسمى استعارة لأن الاسم إذا وقع هذه المواقع كان الكلام موضوعا لإثبات معناه لما يعتمد عليه أو نفيه عنه، فإذا قلت زيد أسد فقد وضعت كلامك في الظاهر لإثبات معنى الأسد لزيد. وإذا امتنع إثبات ذلك له على الحقيقة كان لإثبات شبه من الأسد له فيكون اجتلابه لإثبات التشبيه فيكون خليقا بأن يسمى تشبيها إذا كان إنما جاء ليفيده، بخلاف الحالة الأولى فإن الاسم فيها لم يجتلب لإثبات معناه للشيء كما إذا قلت جاءني أسد ورأيت أسدا فإن الكلام في ذلك موضوع لإثبات المجيء واقعا من الأسد والرؤية واقعة منك عليه لا لإثبات معنى الأسد لشيء فلم يكن ذكر المشبه به لإثبات التشبيه وصار قصد التشبيه مكنونا في الضمير لا يعلم إلا بعد الرجوع إلى شيء من النظر والتأمل.

إذا افترقت الصورتان هذا الافتراق ناسب أن يفرق بينهما في الاصطلاح والعبارة بأن نسمي احداهما تشبيها والأخرى استعارة.
ثم قال: فإن أبيت إلا أن تطلق اسم الاستعارة على هذا القسم، فإن حسن دخول أدوات التشبيه لا يحسن إطلاقه وذلك كأن يكون المشبه به معرفة كقولك: زيد الأسد فإنه يحسن أن يقال زيد كالأسد، وإن حسن دخول بعضها دون بعض هان الخطب في إطلاقه وذلك كأن يكون نكرة غير موصوفة كقولك: زيد أسد فإنه لا يحسن أن يقال زيد كأسد ويحسن أن يقال كأن زيدا أسد ووجدته أسدا، وإن لم يحسن دخول شيء منها إلا بتغيير صورة الكلام كان إطلاقه أقرب لغموض تقدير أداة التشبيه فيه وذلك بأن يكون نكرة موصوفة بما لا يلائم المشبه به كقولك: هو بدر يسكن الأرض وهو شمس لا تغيب وقول الشاعر:

شمس تألق والفراق غروبها ... عنا وبدر والصدود كسوفه

فإنه لا يحسن دخول الكاف ونحوه في شيء من هذه الأمثلة إلا بتغيير صورته كقولك: هو كالبدر إلا أنه يسكن الأرض وكالشمس إلا أنه لا تغيب وكالشمس المتألقة إلا أن الفراق غروبها وكالبدر إلا أن الصدود كسوفه. اهـ باختصار كثير وتصرف.
والتشبيه الذي يجب تناسيه هو الذي من أجله وقعت الاستعارة لا كل تشبيه فليس بمحظور أن تقول رأيت أسدا في الحمام مثل الفيل في الضخامة، ولا جاورت ليثا كأنه بحر متلاطم الأمواج.

ومن اشتراط ادعاء دخول المشبه في المشبه به يتضح لك أنه لا بد أن يكون المشبه به كليا كاسم الجنس وعلم الجنس، فلا تتأتى الاستعارة في الأعلام الشخصية لعدم تصور الشركة فيها حتى يمكن ادعاء دخول شيء في حقائقها إلا إذا تضمنت أوصافا بها يصح أن تعتبر كأنها أجناس كتضمن حاتم الجود ومادر البخل وقسّ الفصاحة وباقل العي والفهاهة فتقول: رأيت اليوم حاتما أو قُسّا وتدعي كلية حاتم أو قسّ ودخول المشبه في جنس الجواد والفصيح حتى كأن حاتما موضوع لمن اتصف بالجواد سواء أكان هو ذلك الطائي المشهور أم غيره، وإن كان اطلاقه على الطائي حقيقة وعلى غيره ادعاء، وكذلك القول في قسّ، وكل ما كان من هذا الضرب فسبيله هذا السبيل 
شارك ليستفيد أصدقاؤك

إرسال تعليق

اترك تعليقا (0)

أحدث أقدم