التشبيه: أثر التشبيه في النفس والنهج المتبع في التمثيل عند القدماء والمحدثين

التشبيه: أثر التشبيه في النفس والنهج المتبع في التمثيل عند القدماء والمحدثين

t,hz+

أثر التشبيه في النفس 

قال المبرد في الكامل: التشبيه جار كثيرا في كلام العرب حتى لو قال قائل: هو أكثر كلامهم، لم يبعد قال الله تعالى وله المثل الأعلى في الزجاجة: {كأنها كوكب دريّ}

وقال أبو هلال في الصناعتين: التشبيه يزيد المعنى وضوحا ويكسبه تأكيدا ولهذا أطبق جميع المتكلمين من العرب والعجم عليه ولم يستغن أحد عنه.

وسر هذا أن للخيال نصيبا كبيرا فيه، فهو يفتن حتى لا يقف عند غاية، وأنه يعمل عمل السحر في إيضاح المعاني وجلائها، فهو ينتقل بالنفس من الشيء الذي تجهله، إلى شيء قديم الصحبة، طويل المعرفة، وغير خاف ما لهذا من كثير الخطر، وعظيم الأثر، انظر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذم من يعلم الخير ولا يعمل به: مثل الذي يعلم الخير ولا يعمل به، مثل السراج يضيء للناس وهو يحترق.

وإنك لترى فيه تشنيع حال من اتصف به وكأنك تشاهد النار وهي تعلق به وتأخذ منه بالنواصي والأقدام.
وتأمل قول أبي العلاء المعري:

إن الشبيبة نار إن أردت بها ... أمرا فبادره إن الدهر مطفيها

تجده جعل عزيمة الشباب الوثابة المتحفزة للعمل كالنار يمتد لهيبها ويشتد أوراها، لكنها لا تلبث حتى تخمد جذوتها، وينطفئ ذلك اللهب المتقد، ومن ثم طلب إلى الشباب البدار إلى نيل المآرب وعدم التواني درك المقاصد.

وإلى قول مهيار الدليمي:

وبعض مودات الرجال عقارب ... لها تحت ظلماء العقوق دبيب

تره صور بعض المودات بصورة عقارب تسير في الظلماء على غير هدى وتنفث سمومها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

وكلما كلن عمل الخيال أكثر كانت صورته أعجب، والنفس به أطرب، ولن تحد تلك الروعة وذلك الجمال في تشبيه المحسوسات ببعضها بعضا، فتشبيه ابن المعتز للشمس بالدرهم المضروب في قوله:

وكأن الشمس المنيرة دينا ... ر جلته حدائد الضراب

وللهلال بالزورق من الفضة التي حمولته من عنبر في قوله:

فانظر إليه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر

أقل جمالا من ذلك الذي تقدم، وليس له في النفس أريحية، ولا تأخذها منه هزة، والتشبيهات المستعملة في العلوم والفنون ما هي إلا وسيلة من وسائل الإيضاح لكشف ما يخفى من الحقائق.

المنهج المتبع في التمثيل عند القدماء والمحدثين

قال صاحب الصناعتين: والطريقة المسلوكة والمنهج القاصد في التمثيل عند القدماء والمحدثين – تشبيه الجواد بالبحر والمطر، والشجاع بالأسد، والحسن بالشمس والقمر، والسهم الماضي بالسيف، والعالي الرتبة بالنجم، والحليم الرزين بالجبل، والقاسي بالحديد والصخر، والبليد بالجماد، واللئيم بالكلب، وشهر قوم بخصال محمودة فصاروا فيه أعلاما فجروا مجرى ما قدمناه كالسموءل في الوفاء، وحاتم في السخاء، والأحنف في الحلم، وسحبان في البلاغة، وقس في الخطابة، ولقمان في الحكمة، وآخرون بأضدادها فشبه بهم في حال الذم كباقل في العي، وهبنّقة في الحق، والكسعي في الندم، ومادر في البخل.
شارك.

إرسال تعليق

اترك تعليقا (0)

أحدث أقدم