القراءات بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلّم ومرحلة جمع المصحف

القراءات بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلّم ومرحلة جمع المصحف

القراءات بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلّم ومرحلة جمع المصحف

القراءات بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم


 قال مكي بن أبي طالب ( ت : 437 هـ ) : « ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم خرج جماعة من الصحابة، في أيام أبي بكر وعمر إلى ما افتتح من الأمصار؛ ليعلموا الناس القرآن والدين، فعلم كل واحد منهم أهل مصره على ما كان يقرأ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فاختلفت قراءة أهل الأمصار على نحو ما اختلفت قراءة الصحابة الذين علموهم » اهـ


مرحلة جمع المصحف


ومضى الناس على هذا حتى كانت خلافة عثمان رضي الله عنه؛ إذ اجتمع الأقران من الصحابة في الفتوح، فأخذ الخلاف في بعض صور الأداء يشتد ويتسع ، حتى خرج الأمر عن الحكمة المقصودة ، والغاية التي من أجلها كان هذا التوسع في القراءات، وخاصة عند من لم يشاهد الأمر الأول؛ فقد اختلف عوام الناس في القرآن، فصار أحدهم يقول للآخر: قراءتي خير من قراءتك، أو أصح من قراءتك، أو قراءتنا أولى من قراءتكم، حتى كاد أن يكفر بعضهم بعضا، وروى البخاري عن أنس بن مالك أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة العثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الامة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فارسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك  فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت ، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القريشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق، وهكذا أدرك الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه الخلاف في قراءة القرآن قبل أن يتعاظم ويشتد خطره، فحملهم على قراءة القرآن بما يوافق خط المصحف، الذي كتب على ما نزل به القرآن وهو لسان قريش، وساعدت طبيعية كتابة المصحف في ذلك الوقت من عدم النقط و الشكل على بقاء جملة من القراءات ما يحتملها الرسم، فتعددت قراءة أهل الأمصار لذلك بما لا يخالف الخط، وسقط من قراءتهم ما يخالف الخط وفي هذا يقول مكي ( ت : 437 هـ ) : « فلما كتب عثمان المصاحف، ووجهها إلى الأمصار، وحملهم على ما فيها، وأمرهم بترك ما خالفها، قرأ أهل كل مصر مصحفه الذي وجه إليهم على ما كانوا يقرؤون قبل وصول المصحف إليهم ما يوافق خط المصحف، وتركوا من قراءتهم التي كانوا عليها مما يخالف قول المصحف فاختلفت اقراءة أهل الأمصار لذلك بما لا يخالف الخط، و سقط من قراءتهم كلهم ما يخالف الخط ونقل ذلك الآخر عن الأول في كل مصر، فاختلف النقل لذلك، حتى وصل النقل الى هؤلاء الأئمة السبعة على ذلك، فاختلفوا فيما نقلوا على حسب اختلاف اهل الأمصار، لم يخرج واحد منهم عن خط المصحف فيما نقل، كما لم يخرج واحد من أجل الأمصار عن خط المصحف الذي وجه إليهم »

وبذلك العمل المنظم الدقيق من زيد وأصحابه وبإشراف سيدنا عثمان ضبطت القراءات التي اتسعت وتنوعت في زمنه وسقط كثير من القراءات التي خالفت خط المصحف الذي أجمع عليه الصحابة، ومضى المسلمون يتلقون القرآن بقراءاته من القراء الذين لا يحصون كثرة - جيلا بعد جيل متحرين الضبط التام في الرواية، معتمدين في ذلك على المشافهة والسماع لا على الدراية والاجتهاد والاكتفاء بالمصاحف ، وفي هذا يقول ابن مجاهد ( ت 324 هـ ) : « والقراءة التي عليها الناس بالمدينة ومكة و الكوفة والبصرة والشام هي القراءة التي تلقوها عن أوليهم تلقياً، وقام بها في كل مصر من هذه الأمصار رجل ممن أخذ عن التابعين، أجمعت الخاصة والعامة على قراءته وسلكوا فيها طريقه وتمسكوا بمذهبه على ما روي عن عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وعروة بن الزبير، ومحمد بن المنكدر، وعمر بن عبد العزيز، وعامر الشعبي » ) 

إرسال تعليق

اترك تعليقا (0)

أحدث أقدم