مسائل نافع بن الأزرق الخارجي

مسائل نافع بن الأزرق الخارجي

مسائل نافع بن الأزرق الخارجي

من هذا النوع -الاحتكام إلى لغة العرب في فهم معاني ألفاظ القرآن الكريم- مسائل نافع بن الأزرق الخارجي (ت 56 هـ) التي ألقاها على حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (ت 68 هـ)، فكان يشرح معنى اللفظ، ثم يؤيد شرحه ببيت من سعر العرب، يروي ذلك الإمام السيوطي رحمه الله (849 – 911 هـ) في "الإتقان" و "المزهر" فيقول:


"بينا عبد الله بن عباس جالس بفناء الكعبة قد اكتنفه الناس يسألونه عن تفسير القرآن فقال نافع بن الأزرق لنجدة بن عويمر: قم بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن بما لا علم له به. فقاما إليه فقالا: إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله فتفسرها لنا وتأتينا بمصادقة من كلام العرب، فإن الله تعالى إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين، فقال ابن عباس: سلاني عما بدا لكما، فقال نافع: أخبرني عن قول الله تعالى: {عن اليمين وعن الشمال عزين}، قال العزون: الحلق الرقاق، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت عبيد بن الأبرص:
فجاؤوا يهرعون إليه حتى ... يكونوا حول منبره عزينا


قال: أخبرني عن قوله: {وابتغوا إليه الوسيلة} قال: الوسيلة الحاجة، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت عنترة وهو يقول: 
إن الرجال لهم إليك وسيلة ... إن يأخذوك تكحلي وتخضبي

قال: أخبرني عن قوله: {شرعة ومنهاجا} قال: الشرعة: الدين، والمنهاج الطريق. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت أبا سفيان بن الحارث وهو يقول:
لقد نطق المأمون بالصدق والهدى ... وبيّن للإسلام دينا ومنهجا

قال: أخبرني عن قوله: {إذا أثمر وينعه} قال: نضجه وبلاغه، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر:
إذا ما مشت وسط النساء تأودت ... كما اهتز غصن ناعم النبت يانع

قال: أخبرني عن قوله تعالى: {لباسا يواري سوآتكم وريشا}، قال الريش المال، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
فرشني بخير طالما قد برئتني ... وخير الموالي من يريش ولا يبري

قال: أخبرني عن قوله تعالى: {لقد خلقنا الانسان في كبد}، قال: في اعتدال واستقامة، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول:
يا عين هلا بكيت أربد إذ ... قمنا وقام الخصوم في كبد

وظل نافع بن الأزرق يسأل، وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما يجيب، مؤيدا إجابته ببعض ما ورد من شعر العرب. وكانت هذه المحاورة إحدى المقدمات الأولى لنشأة علم التفسير، كما كانت بعض المادة التي ساقها علماء اللغة الأوَل لنشأة المعجم العربي، غير أنها لم تكن مدونة، بل كانت رواية يصيبها النقص والتعديل من راو لآخر. ومن هذه المحاورة يتضح لنا أن طليعة تدوين اللغة وصناعة المعجم العربي جاءت مع رسالة الإسلام، وأول من حمل رايتها عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، فقد كان يؤدي ما تؤديه المعجمات للسائلين، ولا عجب في ذلك فهو القائل: "الشعر ديوان العرب، فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزله الله بلغة العرب، رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا معرفة ذلك منه".

إرسال تعليق

اترك تعليقا (0)

أحدث أقدم