عوامل حفظ السنة النبوية | وعد الله بحفظ الذكر

عوامل حفظ السنة النبوية | وعد الله بحفظ الذكر

عوامل حفظ السنة النبوية | وعد الله بحفظ الذكر


مذكرة مادة الحديث شعبة الدراسات الإسلامية 
إعداد الأستاذ الدكتور ع. الرحيم العزاوي

توطئة 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، من يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أله وصحبه أجمعين.


أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

من المعلوم ضرورة في ديننا أن للسنة النبوية منزلة عالية، ومكانة سامية، فهي التي تبين الكتاب، وتفسره، وتجلي غوامضه، بل إن فهم القرآن دون الاستعانة بالسنة ضرب من المحال، وهو طريق الضلال؛ لذا أوجب الله جل وعلا طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في مواضع من كتابه، وقرنها بطاعته، كما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالأخذ بسنته واتباع هديه، وحذر من ترك ذلك والإعراض عنه.


ونظرا لأهمية السنة ومنزلتها، فقد طمع أهل الزيغ والإلحاد في إفساد الدين بإفسادها، ومحاربته بإقصائها، أو على الأقل بالتشكيك في ثبوتها، خاصة وأنه لم يتيسر لها من العوامل مثل ما تيسر لنقل القرآن إذ القرآن قدره محدود، ونقل لفظه مقصود، لذلك نقلته الأمة بالتواتر، بخلاف السنة فهي كثيرة ومتفرقة، ومن المتعسر كتابتها وجمعها كلها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينقل بالتواتر إلا القليل منها.

قال ابن تيمية رضي الله تعالى عنه: "لما كانت ألفاظ القرآن محفوظة، منقولة بالتواتر لم يطمع أحد في إبطال شيء منه، ولا بزيادة شيء فيه بخلاف الكتب قبله، قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} سورة الحجر الآية 9


بخلاف كثير من الحديث طمع الشيطان بتحريف كثير منه، وتغيير ألفاظه بالزيادة والنقصان والكذب في متونه وإسناده".
بيد أن الله جل وعلا قيض لها عوامل عدة كانت سببا لحفظها، وعونا على معرفة صحيحها من سقيمها، وتمييز أصيلها من الدخيل عليها، ومن تلك العوامل ما سيرد فيما يلي:

المطلب الأول: في بيان أن الله جل وعلا تولى حفظ القرآن والسنة.

وبيان ذلك يجد سبيله في المسائل الآتية:

المسألة الأولى: وعد الله بحفظ الذكر يشمل حفظ السنة أيضا، ووعد الله ال يخلف:

معلوم أن الله جل وعلا وعد بحفظ الذكر فقال: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} سورة الحجر الآية 9  والسنة داخلة في الآية:
أ‌-      إما نصا:
وذلك إذا قصد بالذكر الوحي؛ فالسنة وحي كما دلت على ذلك نصوص كثيرة، كقوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى} سورة النجم الآية 3-4، وقوله تعالى: {قل إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون} سورة الأنبياء الآية 45، وقوله تعالى: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين} سورة الحاقة الآية 44-46.
وداخلة أيضا في الآية باعتبارها مما نزل ويتلى، إذ قد دلت نصوص كثيرة على ذلك، منها:
قوله تعالى: {واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به} سورة البقرة الآية 231.
وقوله تعالى: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا} سورة الأحزاب قال الإمام لشافعي رضي الله تعالى عنه: "ذكر الله الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم" الرسالة للشافعي.

وقد حكى ابن القيم اتفاق سلف الأمة على تفسير الحكمة بالسنة فقال رحمه الله: "الكتاب هو القرآن، والحكمة هي السنة باتفاق السلف".

ومن السنة: حديث المقدام بن معد كرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه...) أخرجه الإمام أحمد وأبو داوود...

ب‌-   وإما لزوما: 
وهي داخلة باللزوم؛ لأنها التي تبين القرآن وتشرحه، يقول الشيخ عمر بن حسن فلاتة: "فحفظها دلت عليه الآية إما اقتضاء لأن لفظة الذكر عني بها الوحي فيقتضي السنة وإما لزوما إذا قصر لفظ الذكر على القرآن، لأن السنة شارحة مبينة للقرآن من كفل بحفظ المبين والمشروح فقد تكفل بحفظ الشارح والمبين " 

وقال عبد الرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله: "أما السنة فقد تكفل الله بحفظها أيضا، لأن تكفله بحفظ القرآن يستلزم تكفله بحفظ بيانه وهو السنة، وحفظ لسانه وهو اللغة العربية إذ المقصود بقاء الحجة قائمة والهداية باقية بحيث ينالها من يطلبها، لأن محمدا خاتم الأنبياء، وشريعته خاتمة الشرائع، بل دل على ذلك قوله {ثم إن علينا بيانه} سورة القيامة

2 تعليقات

إرسال تعليق

اترك تعليقا

أحدث أقدم