الدَّعْوَةُ إِلَى اللهِ | تَعْرِيفُ الدَّعْوَةِ لُغَةً وَاصْطِلَاحاً


تعريف الدعوة لغة


من معاني الدعوة لغة:

1-النداء يقال دعا فلان فلانا، إذا ناداه، ودعوت الرجل إذا صحت به واستدعيته.

2-الدعاء إلى الشيء بمعنى الحث على قصده.

3-الدعوة إلى قضية يراد إثباتها أو الدفاع عنها سواء كانت حقا أو باطلا، فمن الباطل حكاية القرآن عن يوسف عليه السلام في قوله {قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه} (سورة يوسف، الآية: 33).
أي من طاعة النسوة والوقوع في الإثم، وكما ورد في قول الرسول صلى الله عليه وسلم للأوس والخزرج حين اصطفوا للقتال ((أَبِ دَعْوَى الجاهلية وأنا بين أظهركم)).

ومن الحق قوله تعالى: {له دعوة الحق} وقوله تعالى: {والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} (سورة يونس 25)

وفي كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هرقل: ((أدعوك بدعاية الإسلام)) أي بدعوته، وهي كلمة الشهادة واتباع منهج الله، ولذلك قال مؤمن فرعون {ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار} (سورة غافر) فاستبان لنا أن هناك دعوة إلى الجنة وأخرى إلى النار.

4-المحاولة القولية أو الفعلية والعملية لإمالة الناس إلى مذهب أو ملة.

5-الإبتهال والسؤال، جاء في المصباح المنير، دعوت الله أدعوه، وأدعوه دعاء أي ابتهل إليه بالسؤال، وأرغب فيما عنده من الخير.

يقول ربنا عز وجل: {والله يدعو إلى دار السلام} قال في اللسان: (ودعاء الله خلقَهُ إليها كما يدعو الرجل الناس إلى مَدعاة أي إلى مأدبة يتخذها أو طعام يدعو الناس إليه) (لسان العرب لابن منظور: 260/14).

والمراد بدعوته سبحانه إلى دار السلام – وهي الجنة – دعوته عباده إلى ما يكون سببا في دخولهم الجنة، وهو الالتزام بدينه الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه، والذين يستجيبون لهذه الدعوة هم حزب الله، وحزب الله هم المفلحون {ألا إن حزب الله هم المفلحون} لأنهم أجابوا داعي الله وآمنوا به. والشيطان يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير {إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} وحزب الشيطان هم الخاسرون لأنهم استجابوا لندائه وعصوا رسل الله الكرام. ولذلك فإنهم سيأتون يوم القيامة نادمين لعدم إجابتهم لداعي الله يقولون {ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل..} (الأنعام: 44).

فهناك إذن من يدعو إلى الطاعة والمعروف ومن يدعو إلى المعصية والمنكر ولهذا سمي الرسول داعيا إلى الله {وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا} (الأحزاب: 46) وقالت الجن لما سمعت الذكر {يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا...} (الأحقاف: 31) قال في اللسان، والدعاة يدعون الناس إلى بيعة هدى أو ضلالة وأحدهم داع ورجل داعية: إذا كان يدعو الناس إلى بدعة أو دين. أُدخلت الهاء فيه للمبالغة، والنبي صلى الله عليه وسلم داعي الله تعالى وكذلك المؤذن، وفي التهذيب: (المؤذن داعي الله، والنبي صلى الله عليه وسلم داعي الأمة إلى توحيد الله وطاعته) (لسان العرب: 259/14).

وعلى ذلك فإن إطلاق لفظ الداعية يشمل من يدعو إلى هُدى أو ضلالة، ويؤكد ذلك قول رسول الله عليه الصلاة والسلام: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا)) (رواه مسلم في كتاب العلم: 2060/4، وأبو داود في كتاب السنة: 201/4 عن أبي هريرة).

فكل داع يتميز بإضافته إلى ما يدعو إليه، يقول الإمام ابن القيم: (الدعاة جمع داع، كقاض وقضاة ورام ورماة، وإضافتهم إلى الله للاختصاص، أي الدعاة المخصوصون به، الذين يدعون إلى دينه وعبادته ومعرفته ومحبته، وهؤلاء هم خواص خلق الله، وأفضلهم منزلة، وأعلاهم قدرا) (مفتاح السعادة لابن القيم: 192/1). فالداعي إلى الله هو الذي يحاول دعوة الناس بالقول والعمل إلى الإسلام، وإلى تطبيق منهجه، واعتناق عقيدته، وتنفيذ شريعته.



تعريف الدعوة اصطلاحا

الدعوة والدعاء مصدر دعا ويدعو، بمعنى نادى طالبا الاستجابة، -والدعاء إلى الشيء: الحث على قصده- (المفردات للراغب الأصفهاني، مادة: دعا) فكأ ّن الداعي إلى الله عز وجل، ينادي من ينادي طالبا إقباله على الله تعالى، حاثا له على قصده والتوجه إليه.

ولم يرد في القرآن كله هذا التركيب: "الدعوة إلى الله" وإنما ورد: {دعا إلى الله} و{أدعو إلى الله} و{داعيا إلى الله} و{وادع إلى ربك} و{ادع إلى سبيل ربك}، وإن هذه التراكيب بهذا الترتيب لنجدها في الآيات التالية:

  • {يا أيها النبيء إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا} (الأحزاب: 45-46).
  • {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ...} (يوسف: 108).
  • {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ...} (فصلت: 32).
  • {وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين} (القصص: 87).
  • - {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} (النحل: 125).

وبتأمل التراكيب القرآنية التي وردت بها المشتقات الفعلية لهذا الجذر (د.ع.و) مُعَدَّاة بـ "إلى"، يمكن أن يستفاد:

  1. أن الدعوة إلى الله جل وعلا نداء، وكون الدعوة إلى الله جل وعلا دعاء ونداء يدل على وجود بُعْدٍ عن الله وإعرا ٍض عن ذكره بوجه ما؛ إما بسبب الكفر، وإما بسبب الفسوق، وإما بسبب العصيان. وكل ذلك صور ودرجات من الغفلة، وأصحابها ينا دون من مكان بعيد، على قدر ما في غفلتهم من كثافة، إذ الناس كانوا أمة واحدة قريبة على الفطرة؛ فطرة الله التي فطر الناس عليها، والتي كل مولود يولد عليها، كانوا حنفاء، على الدين القيم، فاجتالتهم الشياطين فأضلتهم فابتعدوا.
    فبعث الله النبيئين دعاة الله، ينا ُدون عباده الضالين ال ُبعداء المنبتّين عنه، أن يقتربوا منه ويتوبوا إليه، مبشرين العائدين المستغفرين، منذرين المتمادين المصرين. وكذلك من اتبع من الدعاة النبيئين، واهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
    وما دام هناك شيطان من الإنس أو الجن، يضل ويبعد من الله، فإنه لابد من داع يهدي ويقرب من الله. وبما أن أبا الشياطين وشيخهم إبليس قد أُنظر إلى قيام الساعة، فإن الدعوة إلى الله - يحملها من كل خلَف عدولُهُ - ماضيةٌ إلى قيام الساعة.


  2. إن نداء الدعوة ينطلق من ُمناد هو الداعي ويتجه إلى ُمنادى هو المدعو، وذلك يعني فيما يعني أن فعل الدعوة بطبيعته متجاوز لصاحبه القائم به، متَعد إلى غيره المتجه إليه الذي هو المدعو.
    فلا ُيتصور داع ينادي نفسه، بل غيره، ولا تصدق صفة الداعي على شخص ُمقتصر على تزكية نفسه وتأديبها، بل على الذي فرغ من تأديب نفسه وأقبل على الآخرين من الغافلين، يتلو عليهم آيات الله ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم. ومعنى ذلك أننا حين نصلي ونصوم ونتصدق ونفعل الخير ... مجاهدين أنفسنا في ذات الله تعالى، غير دافعين غيرنا إلى ذلك، لا منادين لهم إلى ذلك، لا نكون دعاة إلى الله. وإنما يبتدئ معنى الدعوة في الصدوق علينا حين نبتدئ في حث الآخرين على الخير الذي نحن به عاملون، وجذبهم إلى صراط الله الذي نحن له سالكون.
    وبما أن "الفاقد للشيء لا يعطيه"، والإصلاح لا ُيتصور من غير الصالح، فإن النداء الدعوة وهو عملية إصلاحية يستلزم ضرورةً سبْقَ عملية صلاح، يصطفى فيها المصطفَوْنَ، ويُؤَهَّلُ فيها المؤهَّلُون.
    إذ كيف يعقل أن يُدعى الناسُ إلى خير داعيهم لا يأتيه {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تَتْلُون الكتاب أفلا تعقلون} (البقرة: 44) أم كيف ينهَى الناسُ عن شر ناهيهم عنه ُيخالفهم إليه {وما أُريد أن أُخالفَكُم إلى ما أَنهاكُم عنه إن أُريد إلا الإصلاح ما استطعت} (هود: 88).
    وما لم يطهر الداعي فكره وقلبه في مرحلة {اقرأ باسم ربك} (العلق: 1)، وما لم ُيزك نفسه وسلوكه في مرحلة {يا أيها المزمل قم الليل..} (المزمل: 1)، فإنّه لن يدعو إلى خير في مرحلة {يا أيها المدثر قم فأنذر} (المدثر: 1).


  3. إن نداء الدعوة يحمل رسالة إلى المدعُو هي الدعوةُ تطلب منه الاتصال بمنادَى إليه هو المدعو إليه، وهو الله جل جلاله.
    ومعنى ذلك أن الوصل والاتصال في الدعوة إلى الله ليس إلا بالله؛ فالداعي لا يدعو إلا "إلى الله" والمدعو لا يدعى إلا "إلى الله"، ولا يجوز للداعي وإن كانت منه تنطلق الدعوة أنْ يدعو إلى غير الله ولو إلى نفسه، والمدعو لا يجوز أن يدعى إلى غير الله ولو إلى نفسه، كما لا يجوز له أن يستجيب إلى غير الله ولو إلى داعيه.
    وهذه نقطة قد ضبطها القرآن الكريم ضبطاً، بإضافة قيد {إلى الله} إلى مشتقات الجدر (د.ع.و)؛ ليحفظ الدعوة من انتحال الدعاة المبطِّلين، و ُيجنّبها تحريف الغالين من المدعوين، ويقيَها شر تأويل الجاهلين من الجهتين. ويحرر العبودية ويخلّصها لله عز وعلا في الدعاة والمدعوين، حتى لا تبقى أدنى شُبهة يتعلق بها في الخلط بين الوسيلة والغاية، الخلط في أمر الواسطة والموسوط.
    وإذا كانت عبارات القيد: (الجار والمجرور) قد تعددت بصور شتى في عدة سور فإن مَرَدَّهَا عند التأمل جميعا إلى {الله}؛ فالدعوة {إلى الله} هي الدعوة {إلى الإسلام}، هي الدعوة {إلى دار السلام} هي الدعوة {إلى الجنة} ...
    ذلك بأن الأصل الأساس في عملية الوصل والاتصال في الدعوة إلى الله هو بالله، وبما أن الله سبحانه لا يمكن الاتصال غير القلبي به، فإن الوصل به في الدعوة إليه يكون بالاتصال الملموس بشرعه الذي هو "الإسلام" الذي هو "الخير" الذي هو "الهدى" الذي هو "الصراط المستقيم" الذي هو "النجاة" التي هي "دار السلام" التي هي "الجنة" ...


  4. إن نداء الدعوة يهدف إلى وصل المدعُو بالمدعُو إليه الوصل التام المباشر، وهذا هو الهدف من الدعوة؛ ولذلك قد يتكرر النداء ويتدرج حتى يُطمأَن إلى أن الاتصال التام قد تم {يا أيها الذين آمنوا آمنوا...}.
    ويتكرر الفطام ويتدرج حتى يطمأَن إلى أن الاستغناء بالله عن غير الله قد تم {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قُتل انقلبتُم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين} (آل عمران: 144).

  5. إن فعل الدعوة إلى الله لا ينفصل عنه الواقع بحال، ولذلك لم يرد في القرآن كله - كما تقَّدم–في الصورة المصدرية الُمَجَّرَدة عن الزمان والمكان والإنسان، وإنّما ورد مربوطاً بالماضي والحاضر والمستقبل، فاعلاً له، أو موصوفاً به إنسان. ومن ثَم لا تَصور للدعوة إلى الله في صورها المطلقة السابحة في الفضاء، ولا حديث عن الدعوة إلى الله حديثاً لا يدخل واقعاً في الاعتبار؛ بل إن كل فعل لدعوة إلى الله هو فعل في الواقع، إتماماً لمكارمه، وإصلاحاً لمفاسده، وتقويةً لخيره على شره.
    بل إن الفعل الدعوي أينما كان ووقتما كان، هو الجواب الحاسم عن السؤال الملح الموضوع في الواقع، والدواء الشافي للداء الذي يئن من شدة وطأَته واقع، والعلاج الجذري الناجع للمشكلات التي يتخبَّطُ في حلّها واقع.


فالدعوة إلى الله على هذا -بناء على تلكم المستفادات من تلكم التراكيب القرآنية- هي: "نداء ينطلق من مناد هو الداعي، ويتَّجه إلى منادى هو المدعو، حاملاً رسالةً هي الدعوة، هادفاً إلى وصل المنادى بالمنادى إليه الوصل التَّام المباشر وهو الهدف من الدعوة في ظل ظروف بعينها من واقع الدعوة".

إرسال تعليق

اترك تعليقا (0)

أحدث أقدم