حَاجَةُ النَّاسِ إِلَى التَّشريع الإسلامي

صورة ذات خلفية بيضاء تحمل عبارة: حاجة النّاس إلى التشريع الإسلامي


حاجة النّاس إلى التّشريع الإسلامي


لا شك أن الناس بطبيعتهم في حاجة الى تشريع يحدد ويضبط لهم علاقاتهم، ويبين لهم حقوقهم وواجباتهم. لأن الانسان كائن اجتماعي، خلقه الله هكذا طبيعيا وغريزيا.


وهذا معنى قول العلماء: "الانسان مدنيّ بالطبع".

وأوضح العلامة الجليل عبد الرحمن بن خلدون هذه الحقيقة بقوله: "ان الاجتماع الانساني ضروري، ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم: "الانسان مدني بالطبع" أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية في اصطلاحهم".


فالانسان بدافع غريزته، وبداعي طبيعته، لا يستطيع أن يعيش منفردا، لأن غريزته تدفعه الى السعي للمحافظة على كيانه، ورفع مستوى معيشته، ولكنه يعجز عن اشباع حاجاته، وتوفير جل متطلبات حياته بمفرده، اذ لابد له من الانتفاع والاستفادة من مجهودات غيره، ومن هنا دعته الطبيعة الى أن يختلط بغيره، فيشاركه في المعيشة، ويساهم معه في تبادل المصالح والمنافع.

وفي هذا يقول الحق سبحانه وتعالى: ((يأيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم ان الله عليم خبير)).

وقال الشاعر:

الناس للناس من بدو ومن حضر
بعض لبعض وان لم يشعروا خدم
فوجود المجتمع اذن أمر حتمي، مادام الانسان لا يعيش الا في جماعة، وفي هذا المجتمع تنشأ علاقات بين الأفراد متنوعة ومختلفة، قد تكون علاقات عائلية، أو اجتماعية، أو مالية، أو سياسية، ونحو ذلك.

والفرد في سعيه لاشباع حاجاته، وتحقيق أغراضه، تتعارض مصالحه مع مصالح غيره من الأفراد، ولو ترك له أمر تسوية علاقاته مع غيره وفقا لهواه، لغلب مصلحته على مصلحة غيره، فتصبح الغلبة للأقوى، وحينئذ تعم الفوضى، ويسود الاضطراب الذي يهدد كيان المجتمع، ويؤدي الى الاضمحلال والفناء.

لهذا كان لا بد للمجتمع من نظام يوجه نشاط الأفراد، ويحكم ما بينهم من علاقات، على نحو يتم فيه التوفيق بين المصالح المتعارضة بحيث يمكن تحقيقها جميعا.

وقد فطن الانسان –من قديم- بحكم حاجته الى البقاء والعيش في المجتمع، الى ان الوسيلة لتحقيق النظام ودوامه، هو أن ينزل كل فرد عن قدر من حريته ورغباته، حتى يمكن للجميع أن يتمتعوا بحريتهم، ويحققوا رغباتهم على قدم المساواة.

ومقتضى هذا أن يكون هناك قواعد جلية، وموضوعة مقدما، يستهدي بها الأفراد في سلوكهم ومعاملاتهم، وأن تكون هناك سلطة عامة تمثل الجماعة.

ثم لما اتسع الخلاف وانتشر الناس احتيج الى الرسل.
وتستطيع بما لها من قوة أن تجبر الأفراد على احترام هذه القواعد، فيتحقق بذلك النظام والأمن والاستقرار.

وقد اقترنت الحياة البشرية منذ نواتها الأولى في آدم عليه السلام، بما أوحى الله به الى رسله، حتى تسلم عقيدتهم، وتستقيم حياتهم على الجادة، لذاك جرت سنة الله في خلقه، منذ أن عمرت بهم الأرض، أن يشرع لهم الشرائع، ويبعث فيهم رسلا من أنفسهم، يبشرونهم بالفلاح في الدارين ان أطاعوا، وينذرونهم بالخسران وسوء العاقبة ان عصوا وخالفوا.

يقول المولى عز وجل: (( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما)).

إشارة:
نود الاشارة بعد أن قررنا جميعا أن التشريع ضرورة من ضرورات الاجتماع البشري، لابد منها لحفظ كيان الجماعة، وحماية الأفراد، باستتباب الأمن في صفوفهم، وتحقيق العدل والمساوات فيما بينهم...

ونشير باختصار بعد كل هذا الى أن العرف جرى على اطلاق عبارة "التشريع السماوي" و "الشرائع السماوية" أو الالهية على: "مجموعة الأوامر، والنواهي، والارشادات، والقواعد التي شرعها الله سبحانه وتعالى لأمة عن طريق رسول منها يدعوا الى العمل بها، ويبلغها ما أعده الله من الثواب لمن أطاع، والعقاب لمن خالف وعصى.

وباختصار، فالتشريع السماوي هو: الأحكام التي شرعها الله لعباده على لسان رسول من الرسل.
أما ما يضعه ويختاره الانسان –فردا كان أو جماعة أو مؤسسة- من النظم والأحكام والقوانين، فيطلق عليه العلماء عبارة: "القانون الوضعي" ومنهم من يسميه ب: "التشريع الوضعي".

وسميت هذه القوانين بالوضعية، لأنها وضعت من قبل البشر، في مقابلة الشرائع المنزلة من عند الله.

ويجزم جمهور العلماء والدارسين لتاريخ التشريع بسبق الشرائع الالهية على القوانين الوضعية، وقد ذكرنا في درس سابق أن الحياة البشرية اقترنت منذ لحظاتها الأولى بالهدي الالهي، والتوجيه الرباني، بما أوحى الله به الى رسله وأنبيائه، من لدن آدم عليه السلام، قال الله تعالى في قصة آدم عليه السلام: ((قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)). وقال تعالى أيضا: ((قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى)).

فالشرائع السماوية نزلت من أول وجود المجتمع البشري، من عهد آدم عليه السلام، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله: فأي الأنبياء كان أول؟ فقال صلى الله عليه وسلم: آدم. فقلت: أو نبيا كان؟ قال: نعم، نبي مكلم ..." الحيث رواه أحمد وغيره.
والله تعالى أعلى وأعلم

للرجوع الى الدرس السابق: من هنا
للانتقال الى الدروس المتعلقة بتاريخ التشريع الاسلامي: من هنا
للمتابع الى الدرس التالي: من هنا

إرسال تعليق

اترك تعليقا (0)

أحدث أقدم