نشــأة علــم أصــول الفــقه، ومصادر التشريع في عهد الرسول عليه السلام

نشأة علم أصول الفقه ومصادر التشريع في عهد الرسول عليه السلام


نشــأة علــم أصــول الفــقه

كان عرب الجاهلية يعيشون أحوالا دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية سيئة للغاية، ففي الدين: كانوا يعبدون غير الله، ويشركون به، مع شيء من بقايا ملة ابراهيم عيه السلام محرفة ومزيفة ... وفي السياسة: ظلم مستشري، وحروب لا تنتهي (البسوس – داحس والغبراء – الفجار).

لذلك كان الناس في حاجة الى تشريع عادل يعطي كل ذي حق حقه، وينصف الظالم من المظلوم ويحد من اتباع الهوى والعادات السيئة السائدة في المجتمع العربي وغير العربي، ولا شك أن النشرع في ذلك كله هو الله سبحانه وتعالى، والمبلغ لهذا التشريع هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مصادر التشريع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

مصادر التشريع والفقه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت هي: الوحي، كتابا وسنة، ولكن اختلف العلماء في الاجتهاد، هل كان أيضا مصدرا من مصادر التشريع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أم لا؟

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخشى الناس لله، وأعلمهم بدين الله، وأفصحهم لسانا وأتمهم عقلا ورشدا ... وقد شهد ويشهد بذلك المآلف والمخالف. والراجح عند أهل العلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مأذونا له في الاجتهاد، وأنه قد اجتهد في بعض القضايا، وأنه قد أذن لبعض أصحابه بالاجتهاد، وأنهم قد وقع منهم الاجتهاد في عصره، بل قد وقع منهم بحضرته صلى الله عليه وسلم.

لكن وان كنا نقول بجواز الاجتهاد له عليه السلام، ووقوعه منه، وبجواز الاجتهاد لأصحابه في عصره، ووقوعه منهم، فانه ليس لنا أن نعد الاجتهاد مصدرا من مصادر التشريع في حياته عليه الصلاة والسلام، لأن اجتهاده ان وافق الحق فان الوحي سيقره، وان كان غير ذلك أرشده الى الصواب، واذن فمآل اجتهاد الى الوحي تقريرا أو تغييرا. وكذلك اجتهاد أصحابه مرده الى الرسول صلى الله عليه وسلم. فاما أن يقره فيكون مرجعه كتابا أو سنة، واما أن يرده فيكون لاغيا لا اعتبار له.

ثم عرضت للصحابة الكرام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم قضايا استلزمت الاجتهاد لمعرفة أحكامها الشرعية، ومن ذلك: مسألة الردة، وجمع القرآن، وسهم المؤلفة قلوبهم، وحد السرقة في المجاعة ... فكانوا يحتكمون الى الكتاب والسنة، فان لم يجدوا فيهما بغيتهم اجتهدوا، فاما أن يتفقوا (فيقع الاجماع، وهو مصدر للتشريع جديد لم يكن زمن النبوة) واما أن يختلفوا، فيقيسون الشيء بالشيء، ويراعون المصالح التي تشهد لها أصول الشريعة، ويسدون ذرائع الفساد، ويراعون الأعراف الصالحة، ويستصحبون الحال ... الخ.

وعليه، فان قواعد أصول الفقه كانت عندهم معلومة بالسليقة...


من خصائص الاجتهاد في هذا العصر:


كان الاجتهاد في عصر الصحابة محدودا، للأسباب التالية:

Ø      قلة المسائل التي كانت تعرض لهم ...
Ø      سهولة اجتماعهم وتشاورهم، اذ أكثرهم كان في المدينة المنورة وما حولها.
Ø      عدم لجوئهم الى الرأي الا بعد اعواز النص الجزئي، وهو رأي مبناه مقاصد الشريعة ومحاسنها.

وفي عصر التابعين والأئمة المجتهدين: اتسعت رقعة الاسلام، فتعددت شعوبه، وحاجاته، وعاداته، ونما الفقه نموا كبيرا ولذلك أسباب أهمها:

Ø      سهولة الرجوع الى التشريعية، القرآن والسنة وفتاوى من سبقهم من الصحابة.
Ø      تعلق الناس بدبنهم وحرصهم عليه.
Ø      عناية الخلفاء بالفقه والفقهاء، تقريبا و تكريما و استشارة.
Ø      حرية الرأي: فلا تتحكم فيه سلطة الا نادرا.
Ø      عدم التزامهم مذهبا معينا...

من خصائص هذا العصر:


Ø      أصبحت الضرورة ملحة لتقعيد طرائق الاستنباط.
Ø      اتسعت دائرة الاجتهاد.
Ø      ظهرت معالم مدرستين أصوليتين (الحجاز – العراق).
Ø      بدأت المناهج الأصولية تتميز بشكل واضح.
Ø      ألف الامام مالك كتاب الموطا وأودع فيه كثيرا من أصوله.
Ø      دون الشافعي كتابه الرسالة، وضمنه أكثر مباحث الأصول.
والله تعالى أعلم.

للرجوع الى الدرس السابق: من هـــــنا
للمتابع الى الدرس التالي: من هــــــنا

إرسال تعليق

اترك تعليقا (0)

أحدث أقدم