الغرض والفائدة من التشبيه، والتشبيه المقلوب


الغرض والفائدة من التشبيه، والتشبيه المقلوب 


موقع فوائد

الغرض والفائدة من التشبيه:

الغرض من التشبيه هو الإيضاح والبيان مع الإيجاز والاختصار يعود في الأغلب -في التشبيه الغير المقلوب- إلى المشبه لوجوه، منها:

·      بيان إمكانه إذا كان أمرا غريبا لا يمكن فهمه وتصوره إلا بالمثال.


كقول البحتري:
دنوت تواضعا وعلوت مجدا ... فشأناك انحدار وارتفاع
كذاك الشمس تبعد أن تسامى ... ويدنو الضوء منها والشعاع 

فحين أثبت للممدوح صفتين متناقضتين هما: القرب والبعد، وكان ذلك غير ممكن في مجرى العرف والعادة ضرب لذلك المثل بالشمس ليبين إمكان ما قال.

·      بيان حاله إذا كان غير معروف الصفة قبل التشبيه.


كقول النابغة الذبياني يمدح النعمان:

كأنك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهن كوكب 

فوجه الشبه، عظم حال النعمان وصغر حال الملوك الآخرين إذا قيسوا به، ويكثر استعماله على هذا النحو في الفنون والعلوم للإيضاح والبيان لتقريب الحقائق إلى أذهان المتعلمين، كما يقال لهم: الأرض كالكرة، والذئب كالكلب في الحجم.

·      بيان مقدار حاله في القوة والضعف إذا كان معروف الصفة قبل التشبيه، فبه يعرف مقدار نصيبه.

كقول الأعشى:

كأن مشيتها من بيت جارتها ... مرّ السحابة لا ريث ولا عجل

·      تقرير حاله في نفس السامع بإبرازها فيما هي فيه أظهر وأقوى ويكثر في تشبيه الأمور المعنوية بأخرى تدرك بالحس كقولك للمشتغل بما لا فائدة فيه: أنت كالراقم على الماء، إذ بالتشبيه يظهر أنه قد بلغ من الخيبة أقصى الغاية، وكقول المتنبي:

من يهن يسهل الهوان عليه ... ما لجرح بميت إيلام
وقوله:
إن القلوب إذا تنافر ودها ... مثل الزجاجة كسرها لا يجبر 

·      تزيين المشبه وتحسين حاله ليرغب فيه.

 كقول ابن المعتز يصف الهلال:

أهلا بفطر قد أنار هلاله ... فالآن فاغد على الشراب وبكر 
أنظر إليه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر

·      تشويه المشبه وذمه ليكره ويرغب عنه. مثل:

كف في شحوب وجهك يحكي ... نكتا فوق وجنة برصاص 

وقوله في ذم القصر:
وترى أناملها دبت على أوتارها ... كخنافس دبت على أوتار

·      استظرافه وجعله مستحدثا بديعا، إما لإبرازه في صورة ما يمتنع عادة كما يشبه الجمر الموقد ببحر من المسك موجه الذهب، وإما لندور حضور المشبه به في النفس عند حضور المشبه كقول ابن الرومي في تشبيه بنفسجة:

ولا زوردية تزهو بزرقتها ... بين الرياض على حمر اليواقيت
كأنها بين قامات ضعفن بها ... أوائل النار في أطراف كبريت

قال الإمام عبد القاهر: فقد أراك شبها لنبات غض يرف، وأوراق رطبة من لهب نار في جسم متسول عليه اليبس، ومبنى الطباع وموضوع الجبلة على أن الشيء إذا ظهر من مكان لم يعد ظهوره منه وخرج من موضع ليس بمعدن له كانت صيانة النفوس به أكثر، وكان الشغف به أجدر، ونحوه قول عدي بن الرفاع، يصف قرن غزال:

تزجى أغن كأن ابرة روقه ... قلم أصاب من الدواة مدادها

الغرض والفائدة من التشبيه المقلوب

قد يعكس التشبيه، فيُجعل المشبه به مشبها، والمشبه مشبها به، وعندئذ يجعل الأصل فرعا والفرع أصلا ويشبه الزائد بالناقص للمبالغة وإيهام أن المشبه أقوى وأتم من المشبه به في فوج الشبه، فتعود الفائدة حينئذ إلى المشبه به لا إلى المشبه، كقول محمد بن وُهَيب يمدح المأمون:

وبدا الصباح كأن غرته ... وجه الخليفة حين يمتدح

ففي قوله يمتدح دليل على اتصاف الممدوح بمعرفة حق المادح وتعظيم شأنه لدى الحاضرين بالإصغاء إليه وعلى كماله في الكرم بحيث يرتاح لسماع المدائح، وتظهر عليه علامات البشر والسرور.

فقد جعل وجه الخليفة كأنه أعرف وأتم من غرة الصباح في الإشراق والضياء.
وقوله:

وأرض كأخلاق الكريم قطعتها ... وقد كجل الليل السماك فأبصرا

وذلك أنه لما رأى استمرار وصف الأخلاق بالضيق وبالسعة تعمد تشبيه الأرض الواسعة بخلق الكريم بادعاء أنه في السعة أكمل من الأرض المتباعدة الأطراف، وقول الله تعالى حكاية عن مستحلي الربا: {إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا} إذ مقتضى الظاهر أن يقال: إنما الربا مثل البيع لكنهم خالفوا ذلك ذهابا منهم إلى جعل الربا في الحل أقوى حالا من البيع، ومنه قول البحتري:

في طلعة البدر شيء من محاسنها ... وللقضيب نصيب من تأنيها
وقوله في وصف بركة المتوكل:

كأنها حين لجت في تدفقها ... يد الخليفة لما سال واديها

وكل هذا إذا أريد إلحاق الناقص في وجه الشبه حقيقة أو ادعاء بالزائد فيه، فإن أريد مجرد الجمع بين شيئين في أمر جاز التشبيه، ولكن الأحسن تركه والعدول إلى التشابه ليكون كل من الطرفين مشبها ومشبها به احترازا من ترجيح أحد المتساوين على الآخر، كما فعل أبو إسحاق الصابي في قوله:

تشابه دمعي إذ جرى ومدامتي ... فمن مثل ما في الكأس عيني تسكب
فوالله ما أدري أبا الخمر أسبلت ... جفوني أم من عبرتي كنت أشرب

ويجوز التشبيه أيضا كتشبيههم غرة الفرس بالصبح وعكسه متى أريد ظهور منير في مظلم أكثر منه من غير قصد إلى المبالغة في وصف الغرة بالضياء وفرط التلألؤ ونحو ذلك، وتشبيه الشمس بالمرآة المجلوة أو الدينار الخارج من السكة كما قال ابن المعتز:

وكأن الشمس المنيرة دينــا ... ر جلته حدائد الضراب

وعكسه متى أريد استدارة متلألئ متضمن لخصوص في اللون وإن عظم التفاوت بين نور الشمس ونور المرآة والدينار، وبين الجرمين إذ ليس شيء من ذلك بمنظور إليه في التشبيه.

إرسال تعليق

اترك تعليقا (0)

أحدث أقدم