الحديث المرسل: لغة واصطلاحا | حكم مراسيل التابعين والصحابة


الحديث المرسل: تعريف الحديث المرسل لغة واصطلاحا | حكم مراسيل التابعين | حكم مراسيل الصحابة.

الحديث المرسل: تعريف الحديث المرسل لغة واصطلاحا | حكم مراسيل التابعين | حكم مراسيل الصحابة.

أولا - تعريف الحديث المرسل لغة واصطلاحا

أ - تعريف المرسل لغة:

الحديث المرسل لغة: هو اسم مفعول من "الإرسال"، ومنه: "أرسل الطائر" أي أطلقه.
فالمرسل هو المطلق غير المقيد.


ب - تعريف المرسل اصطلاحا:

الحديث المرسل اصطلاحا: اختلف في حده على ثلاثة أقوال:

القول الأول: الحديث المرسل هو ما رفعه التابعي مطلقا، بأن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو فعل كذا، أو فعل بحضرته كذا، أو نحو ذلك.

وسواء كان من كبار التابعين، كعبيد الله بن عدي بن الخيار، وقيس بن أبي حازم، وسعيد بن المسيب، وأمثالهم، أو من صغار التابعين، كالزهري وقتادة وأبي حازم ويجنى بن سعيد الأنصاري وأشباههم.

وهذا التعريف هو المشهور عند المحدثين . - وجرى عليه المتأخرون وأكثر المتقدمين.

القول الثاني: الحديث المرسل هو ما رفعه التابعي الكبير، وهذا التعريف محل اتفاق، وقد نقل الحافظ ابن عبد البر الإجماع عليه، فقال : « فأما المرسل، فإن هذا الاسم أوقعوه. بإجماع على حديث التابعي الكبير عن النبي صلى الله عليه وسلم ».

وقال الحافظ ابن الصلاح: « صورته التي لا خلاف فيها: حديث التابعي الكبير، الذي لقي جماعة من الصحابة، وجالسهم، كعبيد الله بن عدي بن الخيار، ثم سعيد بن المسيب، وأمثالهما، إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ». ثم قال: (والمشهور التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك) وعلى هذا القول فإن مرفوع التابعي الصغير لا يسمى مرسلا، بل منقطعا.

القول الثالث: الحديث المرسل هو ما سقط من إسناده راو أو أكثر من أي موضع كان، سواء من أوله أو من آخره أو بينهما. 
فيشمل، على هذا القول، المتقطع والعضل والمعلق.

وهو المشهور عند الفقهاء والأصوليين، وقال به بعض المتقدمين من المحدثين، كأبي داود وابن أبي حاتم الرازي. وهو كما يبدو -أوسع الأقوال- في تعريف المرسل.

القول الرابع: ما سقط منه الصحابي، وهذا عرفه صاحب البيقونية فقال:

ومرسل منه الصحابي سقط ... 

 وهذا التعريف للمرسل غير دقيق؛ لأننا إذا علمنا أن الساقط من الإسناد هو الصحابي، فإن الحديث يكون صحيحا، لأن سقوط الصحابي لا يضر، باعتبار أن الصحابة كلهم عدول.

والتعريف الأول المشهور عن المحدثين هو الصحيح؛ لأن التابعي الذي يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون قد أسقط منه الصحابي فقط، ويحتمل أن يكون قد أسقط التابعي والصحابي، ويحتمل أن يكون قد أسقط اثنين أو أكثر من التابعين.

فلما كان الساقط من السند مجهولا لا يدرى من هو، اعتبر الحديث مرسلا.

أمثلة الحديث المرسل:

1 - ما أخرجه أبو داود في "المراسيل" (169) من طريق وكيع، عن يونس بن أبي إسحاق، عن مجاهد، قال: «اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهرا من رجل من الأعراب مئة صاع من تمر، فقال لرجل منهم: "انطلق فقل لهم يكيلون حتى يستوفوا ". يعني : الكيل . . . » . فمجاهد من كبار التابعين، قد أدرك جماعة من الصحابة، وسمع منهم، إلا أن روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلة.

2 - ما أخرجه أبو داود أيضا في "المراسيل" ( 237 ) من طريق سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في (المختلعة) : « لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها » فعطاء بن أبي رباح من التابعين، قد لحق جماعة من الصحابة، وسمع منهم، وحدث عنهم، إلا أنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، فحديثه عنه مرسل . .

ثانيا - حكم مراسيل التابعين:

المرسل في الأصل ضعيف -كما تقدمت الإشارة إليه– ولكن العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم اختلفوا في حكمه والاحتجاج به؛ لأن الساقط منه غالبا ما يكون صحابيا، والصحابة كلهم عدول، لا يضر عدم معرفتهم.
ولكن يحتمل -كما سلف- أن يكون تابعيا . . . ومجمع الأقوال في مراسيل التابعين ثلاثة:

القول الأول: أنه ضعيف مردود، وهو قول جمهور المحدثين، مثل: الإمام مسلم والترمذي وابن عبد البر وابن الصلاح وغيرهم.
وهو أيضا قول كثير من الأصوليين والفقهاء.
قال الإمام مسلم: «والمرسل من الروايات في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة».
وقال ابن أبي حاتم الرازي: سمعت أبي، وأبا زرعة يقولان: «لا يحتج بالمراسيل، ولا تقوم الحجة إلا بالأسانيد الصحاح المتصلة». وحجة هؤلاء في تضعيف المرسل ورده: الجهل بحال الواسطة بين التابعي وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فيحتمل أن يكون التابعي قد رواه عن غير الصحابي، ولا يعلم حال هذا الذي روى عنه، وهذا يقدح في الرواية . . .

القول الثاني: أنه صحيح يحتج به، شريطة أن يكون المرسل ثقة، ولا يروي إلا عن ثقة، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في القول المشهور عنه، وقال به طائفة من أهل الفقه والأصول. وحجتهم: أن التابعي الثقة لا يستحل لنفسه أن يقول: " قال رسول الله " إلا إذا سمعه من ثقة، وإلا فتصرفه هذا يضر بثقته.
وبالغ الأحناف، فجعلوه أقوى من المسند المتصل، معللين ذلك بأن من أسند فقد أحالك، ومن أرسل فقد تكفل لك.

القول الثالث: أن المقبول هو مرسل التابعي الكبير فقط، وهو قول الإمام الشافعي، وله عنده حالتان:
الحالة الأولى : أن يشاركه في روايته غيره من الحفاظ فيسندوه، أي: أن يروى من طريق آخر مسند صحيح، فهذا يقبل. 
الحالة الثانية : أن يتفرد به، فلا يشاركه في روايته أحد من الحفاظ، أي لا يسنده أحد منهم وهذا يقبل عنده بأحد الشروط الآتية:

1 - أن يروى من وجه آخر مرسلا، فإنه يتقوى بذلك ويرتقي إلى درجة الحسن لغيره؛ لأن ضعفه خفيف يمكن جبره.
2 - أن يعتضد بقول صحابي.
3 - أن يفتي أكثر العلماء بما يوافق مضمونه.
4 - أن يكون مرسله لا يروي إلا عن ثقة.

تنبيه: مما يجدر التنبيه عليه في هذا السياق أن بعض أهل العلم وصفوا مرسل التابعي الصغير الذي يروي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة دون واسطة بأنه: (معضل؛ لأن روايته عن الصحابة تكون في الغالب مرسلة، حيث يروي عنهم بواسطة تابعي كبير، فيغلب على الظن أن يكون قد أسقط منه اثنين على التوالي، ومن ثم اعتبروه معضلا.
قال الحافظ الذهبي : « من أوهى المراسيل عندهم: مراسيل الحسن، وأوهى من ذلك: مراسيل الزهري، وقتادة، وحميد الطويل من صغار التابعين، وغالب المحققين يعدون مراسيل هؤلاء معضلات و متقطعات، فإن غالب رواية هؤلاء عن تابعي كبير، عن صحابي، فالظن بمرسله أنه أسقط من إسناده اثنين».

أمثلة مراسيل التابعين:

أ - ما أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " ( 135 / 2 ) : عن ابن جريج ل . أخبرت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : «من طلق أو نكح لاعبا فقد جاز» . فابن جريج (عبد الملك بن عبد العزيز) عاصر صغار التابعين، ولم يلق أحدا من الصحابة، وعامة روايته عن كبار التابعين، ولذلك اعتبر بعض أهل العلم هذا السند الذي يطلق عليه البعض وصف الإرسال، في حكم الإعضال؛ لأنه قد سقط منه راويان. على التوالي، والله أعلم.

ب - ما أخرجه أبو داود في "المراسيل" ( 37 ) من طريق وهب بن بقية، عن خالد، عن يونس، عن الحسن البصري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم للقوم، فليقدر الصلاة بأضعفهم، فإن وراءه الكبير، والضعيف، وذا الحاجة، والمريض، والبعيد».

فالحسن البصري تابعي، ولم يبين من حدثه بهذا الحديث فقد يكون المحذوف اثنين: صحابيا وتابعيا آخر سمعه منه الحسن البصري، فيكون (معضلا) . ثم إن التابعي الذي قد يكون روى عنه الحسن، يحتمل أن يكون ضعيفا، فاقتضى الاحتياط في الدين أن يأخذ هذا الاحتمال الأسوأ، فيحكم عليه بالضعف.

ثالثا - حكم مراسيل الصحابة:

تعريف مرسل الصحابي:

مرسل الصحابي هو: ما أخبر به من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله، ما لم يسمعه منه، أو لم يشاهده مباشرة، إما لصغر سنه، أو لتأخر إسلامه، أو لغيابه من مجلسه، وإنما رواه سماعا من غيره من الصحابة، دون ذكر ذلك الصحابي في السند.

ومنه أحاديث كثيرة لصغار الصحابة كابن عباس وابن الزبير. والصحيح المشهور في حكمه أنه صحيح محتج به، وحكى بعضهم الإجماع على ذلك؛ لأن احتمال رواية الصحابة عن التابعين نادر جدا، وإذا رووا عنهم بينوا ذلك، فإذا لم يبينوا وقالوا: "قال رسول الله" فالأصل أنهم سمعوها من صحابي آخر.

وعدم ذكر الصحابي لا يضر كما تقدم، وشذ البعض وفي طليعتهم الأستاذان أبو إسحاق الإسفراييني والباقلاني، فقالوا بعدم قبول مراسيل الصحابة، إلا إن صرحوا بعدم رواية ما لم يسمعوه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة، لاحتمال تلقيهم عن بعض التابعين الذي هم ربما ضعفاء.

قال الزركشي في نكته على المقدمة: «أما مرسل الصحابة فمقبول، أي بالإجماع، كما صرح به بعضهم، لكن حكى الخطيب وغيره عن بعض العلماء أنه لا يحتج به كمرسل غيرهم، إلا أن يقول: لا أروي إلا ما سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي؛ لأنه قد يروي عن غير الصحابي. قال النووي : وهذا مذهب الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، والصواب المشهور أنه يحتج به مطلقا؛ لأن روايتهم عن غير الصحابي نادرة، وإذا رووها بينوها».

وقال السيوطي: «وفي الصحيحين من ذلك -أي مراسيل الصحابة- ما لا يحصى؛ لأن أكثر رواياتهم عن الصحابة، وكلهم عدول، ورواياتهم عن غيرهم نادرة، فإذا رووها بينوها، بل أكثر ما رواه الصحابة عن التابعين ليس بأحاديث مرفوعة، بل إسرائيليات أو حكايات أو موقوفات.
وقال أحمد شاكر: «وهذا هو الحق».

أشهر المؤلفات في مراسيل التابعين:

1 - المراسيل للإمام أبي داود، وهو مطبوع.

2 - المراسيل للإمام ابن أبي حاتم الرازي، وهو مطبوع.

3 - جامع التحصيل الأحكام المراسيل، للحافظ أبي سعيد العلائي .


إرسال تعليق

اترك تعليقا (0)

أحدث أقدم