علاقة الشريعة الإسلامية بالشرائع السماوية السابقة

وعَد الله تعالى آدم عليه السلام أن يديم تنزيل هديه إليه وإلى ذريته من بعده، ليعرفهم بالمنهج الذي يصلح حياتهم، وينقذهم من الضلالة والشقوة في الدنيا والآخرة.

الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالشرائع السماوية السابقة 


وعَد الله تعالى آدم عليه السلام أن يديم تنزيل هديه إليه وإلى ذريته من بعده، ليعرفهم بالمنهج الذي يصلح حياتهم، وينقذهم من الضلالة والشقوة في الدنيا والآخرة.

يقول الحق سبحانه وتعالى: (قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى) وهذه الرسالات هي حجة الله على خلقه.  (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)، (رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما).


وهذا الدّين الذي أنزل الله على جميع رسله وأنبيائه دين واحد، وهو الإسلام.
قال تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام)، وقال أيضا: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).
والإسلام هو: استسلام كل رسول وأتباعه لله تعالى وخضوعهم وطاعتهم له، بفعل ما يأمرهم به، وترك ما ينهاهم عنه.
أما الشرائع التي أنزلها الله تعالى على رسله وأنبيائه فإنها متعددة، قال تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا).

وهي وإن كانت مختلفة فإنها تحقق غاية واحدة، فكل أصحاب شريعة يحققون الدينونة والعبودية التي خلقوا من أجلها من خلال عملهم بشريعتهم وبتلك الشريعة يتحقق صلاح دنياهم وأخراهم.

قد يقال: ولم لم يكتف بإنزال شريعة واحدة، يستمر وجودها على مر الزمان وتعاقي العصور والأجيال؟

والجواب: أن الله تعالى كان -قبل بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد عليه السلام- يرسل لكل أمة رسولا خاصّا بها، ولهذا نرى شرائع الأمم السابقة تختلف فيما بينها لحكم واضحة، فالشرائع تختلف باختلاف زمان الأمم، وتباين تحمل أبدانهم قوة وضعفها، واستعداد أمزجتهم قبولا ورفضا. والله أنزل هذه الشرائع لتحقيق مصالح العباد، والمصلحة تختلف باختلاف الأحوال والزمان/ وهو تعالى حكيم يشرع لعباده في كل عصر ما يعلم أن مصلحتهم تتحقق بتحكيم الشريعة المنزلة اليهم فيه.

وقد جاءت الشريعة الأسلامية شريعة عالمية، غير محدودة بزمان ولا مكان، ولا طائفة من الناس، ولذا فإنها اتصفت بالصفات التي تجعلها صالحة لكل زمان ومكان.

أما بخصوص موضوع علاقة شريعتنا بـالشرائع السماوية السابقة كشريعة موسى عليه السلام وغيره من أنبياء الله ورسله، فنقول -وبالله التوفيق- مع أن الشرائع السماوية كلها من عند الله، إلا أن اللاحق قد ينسخ السابق منها، ومن ذلك شريعتنا المباركة، فإنها ناسخة للشرائع قبلها.

قال المولى عز وجل: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون). وقد تلقّى رسولنا عليه السلام جميع الأحكام من الوحي، وإذا وجد التشابه بين هذه الشريعة الخاتمة والشرائع السابقة، فذلك عائد إلى أن مصدر هذه الشرائع واحد، لا لتلقي الرسول عليه الصلاة والسلام هذه الأحكام من شرائع الأمم السابقة.

وجوب الإيمان بالشرائع السابقة

ينبغي التنبيه هنا إلى أمر في غاية الأهمية قد يجهل حكمه كثير من الناس، معاشر المسلمين وإن كنا لا نعمل بـالشرائع السابقة لأنها منسوخة بشريعتنا، والعمل إنما يكون بالناسخ لا بالمنسوخ، إلا أن الله أوجب علينا الإيمان بتلك الشرائع، وبالرسل المنزلة عليهم لأن الإيمان بذلك إيمان بحقائق وجدت، فالإيمان بها تصديق بخبر الله وخبر رسوله، ولا إيمان لمن كذّب الله ورسوله.

قال الله جل في علاه مخبرا بصفة إيمان المؤمنين: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله)، فهم يؤمنون بجميع الكتب والرسل، ولا يفرقون بينهم بالإيمان ببعضهم، والكفر بآخرين.

وقد أمرنا ربنا بذلك فقال: (يأيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلّ ضلالا بعيدا)


مواضع الاتفاق بين الشرائع السماوية

إن الدارس للشرائع السماوية التي حدثنا الله سبحانه عنها في كتابه المبين يجدها كلها تتفق فيما بينها في أمور عديدة، نذكر منها:


مقصد الشرائع السماوية

فمقصد الشرائع هو تعبيد الناس لربهم، أي تحقيق العبودية لله.

قال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون)، فالمقصد والغرض من إرسال الرسل وبعثة الأنبياء واحد هو تعريف الخلق بالخالق سبحانه، وتعبيدهم له بما يشرع من أحكام وتكاليف، فيلتزمون بها عن طواعية واختيار.


القواعد العامة للشرائع السماوية

ومن مواضع الاتفاق أن الشرائع السماوية تقرر القواعد العامة والأصول الكبرى التي لا بد أن تعيها البشرية في مختلف العصور، كوجوب العدل، وفضل الإحسان، وكقاعدة الثواب والعقاب، هي أن الإنسان إنما يحاسب على أعماله، فيعاقب بذنوبه وأوزاره، ولا يؤاخذ بجريرة غيره، ويثاب بسعيه، وليس له سعي غيره. قال تعالى: (أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفّى ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى)، وقال أيضا: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذّكّرون).


أشياء تتفق فيها الشرائع السماوية فيما بينها

ومن الأمور التي تتفق فيها الشرائع كلها العبادات المهمة، كالصلاة، والزكاة، والصوم، إذ لا تكاد تخلو منها شريعة من الشرائع.

فالقرآن يحدثنا عن إسماعيل عليه السلام فيقول: (وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا. وأمر الله موسى بالصلاة: (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني و أقم الصلاة لذكري).

ووصى الله تعالى عيسى عليه السلام بالصلاة والزكاة: (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا).

 والصيام كتبه الله تعالى علينا وعلى الأمم من قبلنا كما أخبرنا بذلك الحق سبحانه وتعالى بذلك حين قال: (يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).

وأمر المولى سبحانه إبراهيم عليه السلام بأن ينادي في الناس بالحج ويأمر به ففعل: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق)

وقد تتفق الشرائع في بعض الأمور الجزئية، فقد شرّع الله في صلاة من قبلنا القيام والركوع والسجود، فمما خوطبت به مريم عليها السلام: (يامريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين). فهذا باختصار أهم مواطن الاتفاق بين الشرائع السماوية.

وصفوت القول، فإن الشرائع السماوية كلها وحي من الله، أنزلها على رسله في فترات مختلفة، وختمها بالشريعة الإسلامية التي رضيها لعباده: (ورضيت لكم الإسلام دينا): وجعلها الدّين الصّحيح: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).


راجع أيضا:

حاجة الناس إلى التشريع الإسلامي

إرسال تعليق

اترك تعليقا (0)

أحدث أقدم