الزكاة | مقدمة عامة حول فريضة الزكاة | تتمة

فريضة الزكاة

الزكاة: مقدمة عامة حول فريضة الزكاة: تتمة

الحديث الأول:
عن عليٍّ رضي الله عنه أنَّه قال: (ليس في المالِ زكاةٌ حتى يحولَ عليه الحَوْلُ).
عن ابنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عنهما- قال: (مَن استفادَ مالًا فلا زكاةَ فيه حتى يحولَ عليه الحَوْلُ عند ربِّه).
غريب الحديث:

المال المستفاد: هو المال الذي يدخل في ملكية الشخص بعد أن لم يكن، وهو يشمل الدخل المنتظم للإنسان من راتب أو أجر، كما يشمل المكافآت والأرباح العارضة، والهبات والإرث، ونحو ذلك.

إسناد الحديث:
حديث علي رضي الله عنه: الحديث ضعيف مرفوعًا. قال في التلخيص: «حديث: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول): رواه أبو داود وأحمد والبيهقي من رواية الحارث وعاصم بن ضمرة، عن علي. والدارقطني من حديث أنس، وفيه حسان بن سياه، وهو ضعيف، وقد تفرد به عن ثابت. وابن ماجه والدارقطني والبيهقي، والعقيلي في الضعفاء من حديث عائشة، وفيه حارثة بن أبي الرجال، وهو ضعيف. ورواه الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر، وفيه إسماعيل بن عياش، وحديثه عن غير أهل الشام ضعيف. وقد رواه ابن نمير، ومعتمر، وغيرهما، عن شيخه فيه، وهو عبيد الله بن عمر الراوي له عن نافع فوقفه. وصحح الدارقطني في العلل الموقوف ... وله طرق أخرى تذكر».
فالحديث ضعيف مرفوعا، لكن بعض أهل العلم صححه وقفه ومنهم: ابن حزم قال في المحلى: 6/ 39: ثابت. وصحح إسناده أحمد شاكر في تعليقِه على المسند: 2/ 311، وكذا الدارقطني في العلل - كما تقدم كم كلام ابن حجر -.
حديث ابن عمر رضي الله عنه: الحديث ضعيف مرفوعًا. قال في "التلخيص": رواه الترمذي والدارقطني، والبيهقي عن ابن عمر، وصحَّح الترمذي وقفه على ابن عمر، وكذا البيهقي وابن الجوزي وغيرهما، وضعَّفه السيوطي في "الجامع الصغير". وصححه المباركفوري في تحفة الأحوذي: 3/ 27. وصحَّح إسنادَه موقوفًا الألبانيُّ في صحيح سنن الترمذي: وقال: «وهو في حُكم الرفع».

استنباط أحكام الحديث:
من شروط وجوب الزكاة مرور الحول:
دل هذان الأثران على أن من شروط وجوب الزكاة مرور الحول، وهذا في زكاة النقدين والأنعام، وعروض التجارة، أما الزروع والثمار والعسل والمستخرج من المعادن والكنوز ونحوها فلا يشترط لها الحول. وقد نقل الإجماع على هذا الشرط ابن المنذر، وابن حزم وابن عبد البر، وابن رشد، وابن قدامة.

تنبيه:
يجوز التصرف في المال كيفما شاء بيعا أو هبة، أو غير ذلك قبل حلول الحول، ما لم يكن حيلة لإسقاط الزكاة. نقل الإجماع على ذلك: ابن بطال، والقرطبي، والعيني.
__________________

الحديث الثاني:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم  ((مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إِلَّا  أُحْمِيَ عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُجْعَلُ صَفَائِحَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبَاهُ، وَجَبِينُهُ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَ عِبَادِهِ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ...)) أخرجه مسلم.

غريب الحديث:
الكنز: هو المال الذي يجمع بعضه إلى بعض. وبعض أهل اللغة: اشترط في كونه كنزا بأن يكون مجموعا، وأن يكون مدفونا. ومنهم: من حدد أقله بأربعة آلاف وإن أديت زكاته.

استنباط أحكام الحديث:
مسألة: ما حكم مانعي الزكاة؟
دل هذا الحديث على أن تارك الزكاة لا يقطع له بالنار. وهذا في حق من منع إخراجها بخلا مقرا بوجوبها؛ لأنه لا يكفر بذلك، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة . أما من منع الزكاة جاحدا وهو يعلم وجوبها؛ فإنه يكفر بذلك. نقل الإجماع على ذلك: ابن عبد البر، والنووي. ومن منعها جاهلا بوجوبها؛ فهو لا يكفُر وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
_________________

الحديث الثالث:
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: ((لـمَّا تُوفِّيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم واستُخلِفَ أبو بكرٍ، وكَفَر مَن كَفَر مِنَ العَرَبِ، قال عُمَرُ: يا أبا بكرٍ، كيف تُقاتِلُ النَّاسَ، وقد قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم  أُمِرتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فمَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، عَصَمَ منِّي مالَه ونفسَه إلَّا بحقِّه، وحسابُه على اللهِ؟ قال أبو بكرٍ: واللهِ لأقاتِلَنَّ مَن فرَّقَ بين الصَّلاةِ والزَّكاةِ؛ فإنَّ الزَّكاةَ حقُّ المالِ، واللهِ لو منعوني عَناقًا واللهِ لو منعوني عَناقًا كانوا يؤدُّونَها إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لقاتَلْتُهم على مَنْعِها. قال عُمَرُ: فواللهِ ما هو إلَّا أن رأيتُ أنْ قد شرَحَ اللهُ صَدْرَ أبي بكرٍ للقِتالِ، فعَرَفْتُ أنَّه الحَقُّ)) أخرجه البخاري ومسلم.

غريب الحديث:
العَناق: هو الأنثى من أولا المعز. وفي رواية لمسلم: (عِقَالًا) وقد اختلف أهل العلم في معنى (العقال) إلى أقوال: قال أبو عبيد القاسم بن سلام: العقال صدقة عام. وقال غيره: العقال: الحبل الذي يعقل به البعير. وقال النووي: وهو الصحيح الذي لا ينبغي غيره، وبناء عليه تأول أهل العلم وجوب الزكاة في (العقال): فقيل: المراد العقال الذي يؤخذ مع الفريضة؛ لأن على صاحبها تسليمها برباطها. وقيل: زكاة العقال، إذا كان من عروض التجارة، فبلغ مع غيره منها قيمة نصاب.

الحديث الرابع:
عن بَهْزِ بنِ حَكيم، عن أبيه، عن جدِّه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يقول: ((في كلِّ سائمةٍ مِنَ الإبل، في كلِّ أربعينَ بنتُ لَبونٍ، لا تُفرَّقُ عَن حِسابِها، مَن أعطاها مُؤتَجِرًا فله أجْرُها، ومَن أباها فإنِّي آخِذُها وشَطْرَ مالِه؛ عَزْمةٌ مِن عَزَماتِ رَبِّنا، لا يحِلُّ لآلِ محمَّدٍ منها شيءٌ)) أخرجه: أحمد في مسنده وأبو داود في سننه، والنسائي في سننه، والدارمي وابن خزيمة في صحيحه. والحاكم في مستدركه. والبيهقي في السنن الكبرى.

غريب الحديث:
شطر ماله: أَيْ بَعْضَهُ – وقيل: نصفه، في رواية المسند والمستدرك والبيهقي: وشطر إبله، وهي تفسر (مالِه).
عَزْمةٌ مِن عَزَماتِ رَبِّنا: يعني أمر مؤكد – كما في اللغة -، أو حق من حقوق الله تعالى.

إسناد الحديث:
اختلف في بهز بن حكيم: قال -عنه- أبو حاتم: لا يحتج به. وقال ابن حزم: إنه غير مشهور العدالة. وقال ابن الملقِّن: لا أعلم له علة –يعني هذا الحديث- غيرَ بهز، والجمهور على توثيقه. وقال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا. وقال الذهبي: ما تركه عالم قط، وقد تُكُلِّم فيه أنه كان يلعب بالشطرنج. قال ابن القطان: ليس ذلك بضائر له، فإن استباحته مسألة فقهية مشتهرة. وقال الحافظ: وقد استوفيت الكلام فيه في تهذيب التهذيب. وصحح هذا الحديث علي بن المديني وأحمد بن حنبل، وصحح الحاكم ووافقه الذهبي. وقال يحي بن معين -كما في تهذيب الكمال للمزي-: إسناده صحيح إذا كان مَن دون بهز ثقة. وحسن إسناده ابن حجر في " الكافي الشافي". وصحح إسناده العيني في "عمدة القاري". وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود.

استنباط أحكام الحديث:
مسألة: ما عقوبة مانعي الزكاة؟
في حديث أبي هريرة بيان لحكم مانِعي الزكاة الذي ليس في قبضةِ الإمام، وحكمهم أنهم  يقاتَلون حتى يؤدوها، وقد نقل إجماع الصحابة على قتال مانعي الزكاة حتى يؤدوها: ابن بطال، وابن عبد البر، وابن قدامة، والنووي.
وفي حديث بهز بن حكيم بيان حكم من منع الزكاة وهو في قبضةِ الإمامِ، وحكمه أنه تؤخذ منه قهرا، ويدل له أيضا حديث ابن عباس وفيه: ((... فأعْلِمْهم أنَّ اللهَ افتَرَض عليهم صدقةً في أموالِهم، تُؤخَذ من أغنيائِهم وتُردُّ على فُقَرائِهم)). ووجه الدَّلالة: أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها؛ إما بنفسه، وإما بنائبه، فمن امتنع منها أخذت منه قهرا. ونقل الإجماع على ذلك ابن بطال، وابن عبد البر، وابن قدامة والنووي.
وهل يعاقب مانع الزكاة بأخذ زيادة على الواجب؟ الحديث فيه دليل على أن الزكاة تؤخذ منه ويعزر بأخذ شطر ماله، وهذا قول الشافعي في القديم، وهو قول للحنابلة، والمسألة فيها خلاف.

إرسال تعليق

اترك تعليقا (0)

أحدث أقدم