الناسخ والمنسوخ: أنواع النسخ | نسخ الحكم دون التلاوة | نسخ التلاوة دون الحكم | نسخ الحكم والتلاوة معا | تتمة

الناسخ والمنسوخ: أنواع النسخ | نسخ الحكم دون التلاوة | نسخ التلاوة دون الحكم | نسخ الحكم والتلاوة معا | تتمة

نظارات وكتاب. موقع فوائد

أنواع النسخ
جرت عادة العلماء التفسير والأصول أن يذكروا للنسخ أنواعا ثلاثة:
-       نسخ الحكم دون التلاوة.
-       نسخ التلاوة دون الحكم.
-       نسخ الحكم والتلاوة معا.

وهذا تفصيل القول في الأنواع الثلاثة:

1-    منسوخ الحكم دون التلاوة:

هذا النوع الوحيد الجدير بالقبول، لذا فقد اتفق جميع العلماء على وقوعه وجوازه، واختلفوا في عدد الآيات المنسوخة فمنهم المكثر، ومنهم المقتصد، ومنهم المقل، وأما القول بأن النسخ في القرآن تجاوز المئات فقول يخالف مقاصد إنزال القرآن هداية وتشريعا، وهي أقوال لا يدل عليها فطرة من عقل ولا نقل، ولقد حصر الإمام السيوطي قضايا النسخ في عشرين موضعا، واختصرها المرحوم مصطفى زيد بما لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وهاك من الأمثلة المتفق عليها.
أ‌-      كان قيام الليل -قبل فرض الصلوات- فرضا على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى أمته ؛لقوله تعالى: (يأيها المزمل 1 قم الليل إلا قليلا 2 نصفه أو انقص منه قليلا 3 أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا)  المزمل :1-4
فمكث يجتهد بقراءة القرآن حتى نزول قوله تعالى في آخر السورة(إن ربك يعلم أنك تقوم أذنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه و طائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يقاتلون في سبيل الله فاقرؤا ما تيسر منه و أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) المزمل:20.
وبهذا صار التهجد تطوعا من الرسول بعد أن كان واجبا عليه وفي هذا تقول عائشة فيما رواه مسلم عنها:
)فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول السورة -تقصد سورة المزمل- فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة).
¤صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل 1/512 مختصر ح(746) (139).

ب‌-   ومثال آخر على منسوخ الحكم دون التلاوة:
ما ذكره المفسرون في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم) المجادلة:12.
فقد نسخ بقوله تعالى: (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون) المجادلة:13
هذا النوع منسوخ الحكم دون التلاوة هو المتفق عليه، ووجوده في القرآن شاهد عيان، فآياته مازالت تتلى في كل وقت وكل حين.
وفي وجود الآيات وانتقاء التكليف بها فائدة عظيمة، وهذا من تمام الحكمة الربانية أن تبقى الآيات القرآنية التي نسخ حكمها تقرأ بألفاظها إلى يوم الدين، لترى فيها سائر أجيال هذه الأمة كيف تم إعداد جيلها المثالي الأول، وما هي الأحكام المرحلية التي احتاجت إليها الجماعة الإسلامية الأنموذج في أطوار نشأتها وتدرجها، وكيف ثم قطع علاقتها بالجاهلية. وربطت بأسباب الحياة الإسلامية والدين الجديد الأخير الخالد.

2-    منسوخ التلاوة دون الحكم:

استدل القائلون بجواز نسخ التلاوة مع بقاء الحكم بما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: (كان فيما أنزل آية الرجم بمعنى: (الشيخ والشيخة إذا زينا فأرجموهما البتة) قرأناها ورعيناها وعقلناها فرجم رسول الله ورجمنا بعده).
وهذه الرواية إسنادها صحيح، وفي متنها نظر، فقد روي عن عمر قوله: (لولا أن يقول الناس زاد عمر في المصحف لكتبتها)، وهو كلام يوهم أنه لم ينسخ لفظها أيضا، مع أنهم يقولون: إنها منسوخة اللفظ باقية الحكم، ورواية تذكر قيد الزنى بعد ذكر الشيخ و الشيخة، و رواية أخرى لا تذكره، و رواية تذكر عبارة <نكالا من الله>، و رواية لا تذكرها، بل رواية البخاري لا تذكر الشيخ و الشيخة، وما هكذا تكون نصوص الآيات القرآنية ولو نسخ لفظها.
 وقال الشيخ محمد الصادق عرجون في كتابه محمد رسول الله: "وقد بيّنا بيانا شافيا أن ألفاظ ما زعمه آية قرآنية نزلت في وجوب حد الرجم لمن زنى بعد إحصان في رواياتهم (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله)، لم تكن قط من ألفاظ القرآن الكريم، ولا ألفاظ الحديث النبوي الشّريف، فلم يستعملا كلمة "الشيخة" في معن الإحصان ولا "الشيخ" في هذا المعنى، وكذلك كلمة "البتة" لم ترد في القرآن الكريم البتة، لا فيما ثبتت قرآنيته بالتواتر ثم نسخ، ولا فيما أحكم فلم ينسخ منه شيء.
فلذا هذا الحديث المروي عن عمر، لا يمكن اعتباره قرآنا بحال من الأحوال لأن القرآن لا يثبت برواية الآحاد وإن صحت، ذلك لأن القراءات القرآنية لا تثبت قرآنيتها إلا بالتواتر، وإلا ردت وحكم عليها بالشذوذ، ولو صحت روايتها آحادا.
قال أبو جعفر النحاس: وإسناد الحديث صحيح إلا أنه ليس له حكم القرآن الذي نقله الجماعة، ولكنه سنة ثابتة.
ونختم الحديث عن هذا النوع بما قال الدكتور مصطفى زيد: "ومن ثم يبقى منسوخ التلاوة باقي الحكم مجرد فرض، لم يتحقق في واقعة واحدة، ولذا نرفضه ونرى أنه غير معقول ولا مقبول، فإن القول بأنه سقط شيء من القرآن، أو أنه لم يتواتر فلم يثبت في القرآن قول لا يسنده دليل ويجعل للمغرضين صيدا ثمينا للنيل من القرآن، فرد الروايات أهون من الدخول المتاهات.

3- منسوخ التلاوة والحكم معا:

استدل القائلون بجوازه مما يروى عن عائشة: (كان فيما أنزل الله عشر رضعات معلومات يحرّمن، فنسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن.
وفي هذا النوع من النسخ كلام مثل ما سبق وقلناه عن النوع السابق.
قال الزركشي: "الأخبار فيه أخبار الآحاد ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها".
أما الشيخ محمد علي السائس فقد نقل قول بعض العلماء: بأن حديث عائشة الذي رواه مالك وغيره لا يصح الاستدلال به، لاتفاق الجميع على أنه لا يجوز نسخ تلاوة شيء من القرآن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا إسقاط شيء منه، وهذا الحديث يفيد أنه سقط شيء من القرآن بعد وفاته.. وهذا هو الخطأ الصراح.

أقسام النسخ عامة:

أولا: نسخ القرآن بالقرآن:

وقد يبق القول فيه وفي أنواعه.

ثانيا: نسخ السنة بالسنة:

اتفق العلماء على جوازه كذلك، حتى نفاه وقوع النسخ في القرآن ذهبوا إلى القول بهذا النوع، والمثال عليه واضح (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها).

ثالثا: نسخ السنة بالقرآن:

وحوادثه كثيرة، منها:
ما ورد في الصحاح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوجه في الصلاة إلى بيت المقدس، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: قد ترى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيت ما كنتم فولوا وجوهكم البقرة:144.

رابعا: نسخ القرآن بالسنة:

أما هذا النوع فقد ذهب الشافعي إلى منعه وعدم جوازه، وذهب جمهور العلماء إلى جواز نسخ القرآن بالسنة.
وندع المناقشة بين الفريقين والتي لا يترتب عليها أثره إذا لم نجد فيه واقعة واحدة من وقائع النسخ على هذا النوع، ومن هنا نرى أن الخلاف الذي قام حول جوازه خلاف نظري، يحسمه عدم وقوعه ووجوده.

خامسا: نسخ الإجماع بالإجماع:


أما نسخ الإجماع بالإجماع فإن الإجماع كما قال الأصوليون: لا ينسخ ولا بنسخ به، إذ لا يتصور أن يحصل إجماع على نسخ نص، إذ لا يصح الإجماع مع وجود النص، كما لا يصح أن ينسخ إجماع إجماعا لعدم صحة أحدهما، والكلام يطول في هذا النوع وفي النسخ بالقياس، وفي كتب الأصول المزيد لمن أراده.

إرسال تعليق

اترك تعليقا (0)

أحدث أقدم