الإِعْجَازُ القُرْآنِيُّ عِنْدَ الشَّيْخِ الرُّمَّانِيِّ | فَوَائِدُ

 

الشَّيْخُ الرُّمَّانِيُّ وَرَأْيُهُ فِي الإِعْجَازِ القُرْآنِيِّ


الشَّيْخُ الرُّمَّانِيُّ وَرَأْيُهُ فِي الإِعْجَازِ القُرْآنِيِّ

قال الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن عيسى الرماني:

وجوه إعجاز القرآن -عند الشّيخ الرّمّاني- تظھر من سبع جھات:

  1. ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة
  2. التحدي للكافة
  3. الصرفة
  4. البلاغة
  5. الأخبار الصادقة عن الأمور المستقبلة
  6. نقض العادة
  7. قياسه بكل معجزة

فأما البلاغة فھي على ثلاث طبقات:

  1. منھا ما ھو في أعلى طبقة
  2. ومنھا ما ھو في أدنى طبقة
  3. منھا ما ھو في الوسائط بين أعلى طبقة وأدنى طبقة

فما كان في أعلاھا طبقة فھو معجز، وھو بلاغة القرآن، وما كان منھا دون ذلك فھو ممكن كبلاغة البلغاء من الناس، وليست البلاغة أفھام المعنى، لأنه قد يفھم المعنى متكلمان، أحدھما بليغ والآخر عيي؛ ولا بلاغة أيضا بتحقيق اللفظ على المعنى، لأنه قد يحقق اللفظ على المعنى وھو غث مستكره ونافر متكلف، وإنما البلاغة إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ.

 فأعلاھا طبقة في الحسن بلاغة القرآن، وأعلى طبقات البلاغة للقرآن خاصة، وأعلى طبقات معجز للعرب والعجم كإعجاز الشعر المفحم، فھذا معجز للمفحم خاصة كما أن ذلك معجز للكافة، والبلاغة على عشرة أقسام:

  1. الإيجاز
  2. التشبيه
  3. الاستعارة
  4. التلاؤم
  5. التواصل
  6. التجانس
  7. التصريف
  8. التضمين
  9. المبالغة
  10. حسن البيان
ونحن نفسرھا بابا بابا إن شاءالله تعالى".


الإيجاز في القرآن عند الشّيخ الرّمّاني

يعرف الرماني الإيجاز قائلا:

الإيجاز تقليل الكلام من غير إخلال بالمعنى، وإذا كان المعنى يمكن أن يعبر عنه بألفاظ كثيرة ويمكن أن يعبر عنه بألفاظ قليلة، فالألفاظ القليلة إيجاز.

والإيجاز على وجھين:

  1. حذف
  2. قصر

فالحذف إسقاط كلمة الاجتزاء عنھا بدلالة غيرھا من الحال أو فحوى الكلام.
والقصر بنية الكلام على تقليل اللفظ وتكثير المعنى من غير حذف.

أمثلة:

فمن الحذف: "واسئل القرية" ومنه "ولكن البر من اتقى"، ومنه حذف الأجوبة، وھو أبلغ من الذكر، وما جاء منه في القرآن كثير، كقوله جل ثناؤه: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى)، كأنه قيل: لكان ھذا القرآن، ومنه: (وسيق الذين اتقوا ربھم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوھا وفتحت أبوابھا) كأنه قيل: حصلوا على النعيم المقيم الذي لا يشوبه التنغيص والتكدير، وإنما صار الحذف في مثل ھذا أبلغ من الذكر لأن النفس تذھب فيه كل مذھب، ولو ذكر الجواب لقصر على الوجه الذي تضمنه البيان، فحذف الجواب في قولك: لو رأيت عليا بين الصفين، أبلغ من الذكر لما بينا.

وأما الإيجاز بالقصر دون الحذف فھو أغمض من الحذف وإن كان الحذف غامضا، للحاجة إلى العلم بالمواضيع التي يصلح فيھا من المواضع التي لا يصلح، فمن ذلك: (ولكم في القصاص حياة)، ومنه: (ويحسبون كل صيحة عليھم)، ومنه: (وأخرى لم تقدروا عليھا قد أحاط الله بھا).

وھذا الضرب من الإيجاز في القرآن كثير، وقد استحسن الناس من الإيجاز قولھم: القتل أنفى للقتل، وبينه وبين لفظ القرآن تفاوت في البلاغة والإيجاز، وذلك يظھر من أربعة أوجه:

  1. إنه أكثر في الفائدة
  2. أوجز في العبارة
  3. أبعد من الكلفة بتكرير الجملة
  4. أحسن تأليفا بالحروف المتلائمة

أما الكثرة في الفائدة فيه ففيه كل ما في قولھم: القتل أنفى للقتل، وزيادة معان حسنة، منھا إبانة العدل لذكره القصاص، ومنھا إبانة الفرض المرغوب فيه لذكره الحياة؛ زمنھا الاستدعاء بالرغبة والرھبة لحكم الله به..".


التشبيه في القرآن عند الشيخ الرّمّاني

بخصوص الباب الثاني وھو التشبيه فقد قال فيه الرماني:

التشبيه على وجھين:

تشبيه بلاغة

تشبيه حقيقة

فتشبيه البلاغة كتشبيه أعمال الكفار بالسراب
وتشبيه الحقيقة  نحو: ھذا دينار كھذا الدينار فخذ أيھما شئت

ونحن نذكر بعض ما جاء في القرآن من التشبيه، وننبه على ما فيه من البيان بحسب الإمكان.

فمن ذلك قوله تعالى: (والذين كفروا أعمالھم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا). فھذا بيان قد أخرج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه، وقد اجتمعا في بطلان المتوھم مع شدة الحجة وعظم الفاقة، ولو قيل يحسبه الرائي ماء ثم يظھر أنه على خلاف ما قدر لكان بليغا، وأبلغ منه لفظ القرآن، لأن الظمآن أشد حرصا عليه وتعلق قلبه به.

ثم بعد ھذه الخيبة حصل على الحساب الذي يصيره إلى عذاب الأبد في النار -نعوذ بالله من ھذه الحال- وتشبيه أعمال الكفار بالسراب من حسن التشبيه، فكيف إذا تضمن مع ذلك حسن النظم وعذوبة اللفظ وكثرة الفائدة، وصحة الدلالة.

ومن ذلك قوله عز وجل: (مثل الذين كفروا بربھم أعمالھم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء) فھذا بيان قد أخرج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه، فقد اجتمع المشبه والمشبه به في الھلاك وعدم الانتفاع والعجز عن الاستدراك لما فات، وفي ذلك الحسرة العظيمة والموعظة البليغة، ومن ذلك قوله عز وجل: (واتل عليھم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منھا) ثم قال: (فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلھث أو تتركه يلھث) فھذا بيان قد أخرج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه، وقد اجتمعا في ترك الطاعة على وجه التدبير وفي التخسيس؛ فالكلب لا يطيعك في ترك اللھث حملت عليه لو تركته، وكذلك الكافر لا يطيع بالإيمان على رفق ولا على عنف، وھذا يدل على حكمة الله سبحانه وتعالى فإنه لا يمنع اللطف".


الاستعارة في القرآن عند الشيخ الرماني

وبعدھا مباشرة يدخل إلى الباب الثالث، ألا وھو باب الاستعارة فيقول رحمه الله: "...ونحن نذكر ما جاء في القرآن من الاستعارة على جھة البلاغة، قال عز وجل: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه ھباء منثورا) حقيقة قدمنا ھنا عمدنا وقدمنا أبلغ منه لأنه يدل على أنه عاملھم معاملة القادم من السفر، لأنه <عاملھم> من أجل إمھاله لھم كمعاملة الغائب عنھم، ثم قدم فرآھم على خلاف ما أمرھم.

وفي ھذا تحذير من الاغترار بالإمھال، وبالمعنى الذي يجمعھما العدل، لأن العمد إلى إبطال الفاسد عدل، والقدوم أبلغ لما بينا، وأما ھباء منثورا فبيان قد أخرج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه الحاسة.

وقال عز وجل: (فاصدع بما تؤمر)، حقيقته فبلغ ما تؤمر به، والاستعارة أبلغ من الحقيقة، لأن الصدع بالأمر لابد له من تأثير كتأثير صدع الزجاجة، والتبليغ قد يصعب حتى لا يكون له تأثير فيصير بمنزلة ما لم يقع.

والمعنى الذي يجمعھا الإيصال، إلا أن الإيصال الذي له تأثير كصدع الزجاجة أبلغ، وقال عز وجل: (إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية). حقيقته علا والاستعارة أبلغ لأن طغى علا قاھرا، وھو مبالغة في عظم الحال.

وقال عز وجل: (بريح صرصر عاتية) حقيقته شديدة، والعتو أبلغ منه لأن العتو شدة فيھا تمرد.

وقال تعالى: (سمعوا لھا شھيقا وھي تفور تكاد تميز من الغيظ)، حقيقته: من شدة الغليان بالاتقاد، والاستعارة أبلغ منه، لأن مقدار شدة الغيظ على النفس محسوس، مدرك <مدى> ما يدعو إليه من شدة الانتقام، فقد اجتمع شدة في النفس تدعو إلى شدة انتقام في الفعل، وفي ذلك أعظم الزجر وأكبر الوعظ، وأدل دليل على سعة القدرة وموقع الحكمة".


التلاؤم في القرآن عن الشيخ الرّمّاني

يعرف ھنا الشيخ الرماني معنى التلاؤم فيقول:

التلاؤم نقيض التنافر، والتلاؤم تعديل الحروف في التأليف.

والتأليف على ثلاثة أوجه:

  1. متنافر
  2. متلائم في الطبقة الوسطى
  3. متلائم في الطبقة العليا

1- التأليف المتنافر

فالتأليف المتنافر كقول الشاعر:

وقبر حرب بمكان قفر  ...  وليس قرب قبر حرب قبر

وذكروا أن ھذا من أشعار الجن لأنه لا يتھيأ لأحد أن ينشده ثلاث مرات فلا يتتعتع، وإنما السبب في ذلك ما ذكرنا من تنافر الحروف.


2- التأليف المتلائم في الطّبقة الوسطى

وأما التأليف المتلائم في الطبقة الوسطى -وھو من أحسنھا- فكقول الشاعر:

رمتني وستر الله بيني وبينها  ...  عشية ارام الكناس رميم
رميم التي قالت لجيرانھا بيتھا  ...  ضمنت لكل الا يزال يھيم
الا رب لو رمتني رميتھا  ...  ولكن عھدي بالنضال قديم


3- التّأليف المتلائم في الطّبقة العليا

والمتلائم في الطبقة العليا القرآن كله، وذلك بيان لمن تأمله "ويكمل في فقرة أخرى ويقول: "ومخارج الحروف مختلفة، فمنھا ما ھو من أقصى الحلق، ومنھا ما ھو من أدنى الفم، ومنھا ما ھو في الوسائط بين ذلك، والتلاؤم في التعديل من غير بعد شديد أو قرب شديد، وذلك يظھر بسھولة على اللسان، وحسنه في الأسماع، وتقبله في الطباع، فإذا انضاف إلى ذلك حسن البيان في صحة البرھان في أعلى الطبقات ظھر الإعجاز للجيد الطباع البصير بجواھر الكلام، كما يظھر له أعلى طبقات الشعر من أدناھا إذا تفاوت ما بينھما.

وقد عم التحدي به للجميع لرفع الأشكال، وجاء على جھة الأخبار بأنه لا تقع المعارضة لأجل الإعجاز، فقال عز وجل: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شھدائكم من دون الله إن كنتم صادقين) ثم قال:(فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) فقطع بأنھم لن يفعلوا.

وقال تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل ھذا القرآن لا يأتون بمثله)، وقال: (فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين). ولما تعلموا بالعلم والمعاني التي فيه قال: (فاتوا بعشر سور مثله مفتريات).

فقد قامت الحجة على العربي والعجمي بعجز الجميع على المعارضة إذ بذلك تبين المعجزة".


الفواصل في القرآن عند الشّيخ الرّمّاني

وفي ھذا الصدد يقول الإمام الرماني:

وفواصل القرآن كلھا بلاغة وحكمة، لأنھا طريق إلى إفھام المعاني التي يحتاج إليھا في أحسن صورة يدل بھا عليھا، وإنما أخذ السجع في الكلام من سجع الحمامة.

وذلك أنه ليس فيه إلا الأصوات المتشاكلة، كما ليس في سجع الحمامة إلا الأصوات المتشاكلة.

فإذا كان المعنى لما ستكلف من غير وجه الحاجة إليه والفائدة فيه لم يعتمد به، فصار بمنزلة ما ليس فيه إلا الأصوات المتشاكلة.

 والفواصل على وجھين:

  1. على الحروف المتجانسة
  2. على الحروف المتقاربة


الحروف المتجانسة

فالحروف المتجانسة كقوله تعالى: (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى).

وكقوله: (والطور وكتاب مسطور).


الحروف المتقاربة

وأما الحروف المتقاربة فكالميم من النون، كقوله تعالى: (الرحمن الرحيم مالك يوم الدين)، وكالدال مع الباء نحو: (ق والقرآن المجيد) ثم قال:(ھذا شيء عجيب).

وإنما حسن في فواصل الحروف المتقاربة لأنه يكتنف الكلام من البيان ما يدل على المراد في تمييز الفواصل والمقاطع، لما فيه من البلاغة وحسن العبارة.

وأما القوافي فلا تحتمل ذلك لأنھا ليست في الطبقة العليا من البلاغة وإنما حسن الكلام فيھا إقامة الوزن ومجانسة القوافي، فلو بطل أحد الشيئين خرج من ذلك المنھاج وبطل ذلك الحسن الذي له في الاسماع، ونقصت رتبته في الأفھام. والفائدة في الفواصل دلالتھا على المقاطع، وتحسينھا الكلام بالتشاكل وإبداؤھا في الآي بالنظائر".


التجانس في القرآن عند الإمام الرّمّاني

يقول الرماني:

تجانس البلاغة ھو بيان بأنواع الكلام الذي يجمعه أصل واحد في اللغة.

والتجانس على وجھين:

  1. مزاوجة
  2. مناسبة


المزاوجة

فالمزاوجة تقع في الجزاء كقوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه)، أي جازوه بما يستحق على طريق العدل، إلا أنه استعير للثاني لفظ الاعتداء لتأكيد الدلالة على المساواة في المقدار، فجاء على مزاوجة الكلام لحسن البيان، ومن ذلك: (مستھزئون، الله يستھزئ بھم)، أي يجازيھم على استھزائھم، ومنه: (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين)، أي جازاھم على مكرھم، فاستعير للجزاء على المكر اسم المكر لتحقيق الدلالة على أن وبال المكر راجع عليھم ومختص بھم.

ومنه:(يخادعون الله وھو خادعھم) أي مجازيھم على خديعتھم، ووبال الخديعة راجع عليھم.

والعرب تقول: الجزاء بالجزاء، والأول ليس بجزاء، وإنما ھو على مزاوجة الكلام".


المناسبة

ويتابع في فقرة أخرى يشرح فيھا الوجه الثاني للتجانس ألا وھو المناسبة، فيقول:

الثاني من المجانس وھو المناسبة، وھي تدور في فنون المعاني التي ترجع إلى أصل واحد، فمن ذلك قوله تعالى:(ثم انصرفوا صرف الله قلوبھم) فجونس بالانصراف عن الذكر صرف القلب عن الخير، والأصل فيه واحد وھو الذھاب عن الشيء، أما ھم فذھبوا عن الذكر، وأما قلوبھم فذھب عنھا الخير، ومنه: (يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار) فجونس بالقلوب التقلب، والأصل واحد، فالقلوب تتقلب بالخواطر، والأبصار تتقلب في المناظر، والأصل التصرف.

ومنه: (يمحق الله الربا ويربي الصدقات) فجونس بإرباء الصدقة ربا الجاھلية، والأصل واحد وھو الزيادة إلا أنه جعل بدل تلك الزيادة المذمومة زيادة محمودة".


التّصريف في القرآن عند الشيخ الرّمّاني

وفي ھذا الباب يقول الرماني معرفا التصريف:

التصريف تصريف المعنى في المعاني المختلفة، كتصريفه في الدلالات المختلفة، وھو عقدھا به على جھة التعاقب، فتصريف المعنى في المعاني كتصريف الأصل في الاشتقاق في المعاني المختلفة، وھو عقدھا به على جھة العاقبة، كتصريف الملك في معاني التمليك، والتمالك، والأملاك، والتملك، والمملوك".

ويتابع في فقرة ثانية قائلا:

أما تصريف المعنى في الدلالات المختلفة فقد جاء في القرآن في غير قصة، ومنھا قصة موسى عليه السلام، ذكرت في سورة عليه السلام، ذكرت في سورة الأعراف وفي طه والشعراء.. وغيرھا لوجوه من الحكمة، منھا التصرف في البلاغة من غير نقصان عن أعلى مرتبة، ومنھا تمكين العبرة والموعظة، ومنھا حل الشبھة في المعجزة وذلك أن الأشياء على وجھين:

  1. ما لا يدخل تحت الممكن فيه معارضة
  2. ما يدخل تحت الممكن

فالأول كالتحدي بعدد يضرب في عدد فيكون منه خمسة وعشرون غير خمسة في خمسة، وكذلك في قسمة المقادير أنه لا يخلو مقداران من أن يكون أحدھما أزيد من الآخر وأنقص أو مساويا، فإذا قال قائل: ھاتوا مثل ھذه القسمة في غير المقادير قلنا لا يلزم ذلك لأنه لا يدخل تحت الممكن، وكذلك سبيل الجذور، ولو قال جذر مائة عشرة فھاتوا جذرا غير العشرة، وليس كذلك سبيل أعلى الطبقات في البلاغة لأن الذي قدر على أن يأتي بسورة آل عمران والذي قدر على المائدة ھو الذي قدر على الأنعام، وھو الله عز وجل الذي يقدر أن يأتي بما شاء من مثل القرآن، فظھور الحجاج على الكفار بأن أتى في المعنى الواحد بالدلالات المختلفة فيما ھو من البلاغة في أعلى طبقة".


التضمين في القرآن عند الشّيخ الرّمّاني

يقول الشيخ الرماني في أول فقراته معرفا التضمين:

تضمين الكلام ھو حصول المعنى فيه من غير ذكر له باسم أو صفة ھي عبارة عنه.

والتضمين على وجھين:

  1. ما كان يدل عليه الكلام دلالة الأخبار
  2. ما يدل عليه دلالة القياس


فالأول كذكرك الشيء بأنه محدث، فھذا يدل على المحدث دلالة الأخبار، والتضمين في الصفتين جميعا، إلا أنه على الوجه الذي بينا.

وكذلك سبيل المكسور ومنكسر، وساقط ومسقط، والتضمين على وجھين: تضمين توجيه البنية، وتضمين يوجبه معنى العبارة من حيث لا يصح إلا به، ومن حيث جرت العادة بأن يعقد به، فأما الذي توجبه نفس البنية، وتضمين يوجبه معنى العبارة من حيث لا يصح إلا به، ومن حيث جرت العادة بأن يعقد به، فأما الذي توجبه نفس البنية، فالصفة بمعلوم يوجب أنه لابد من عالم، وكذلك مكرم، وأما الذي يوجبه معنى العبارة من حيث لا تصح إلا به، فكالصفة بقاتل يدل على مقتول من حيث لا يصح معه معنى قاتل، ولا مقتول، فھو على دلالة التضمين.

وأما التضمين الذي يوجبه معنى العبارة من حيث جريان العادة فكقولھم: "الكر بستين" المعنى فيه بستين دينارا، فھذا مما حذف وضمن الكلام معناه لجريان العادة به، والتضمين كله إيجاز استغنى به عن التفصيل إذا كان مما يدل دلالة الإخبار في كلام الناس، فأما التضمين الذي يدل عليه دلالة القياس فھو إيجاز في كلام الله عز وجل خاصة، لأنه تعالى لا يذھب عليه من وجوه الدلالة، فنصبه لھا يوجب أن يكون قد دل عليھا من كل وجه يصح أن يدل عليه، وليس كذلك سبيل غيره من المتكلمين بتلك العبارة، لأنه قد تذھب إليه دلالتھا من جھة القياس ولا يخرجه ذلك عن أن يكون قد قصد بھا الإبانة عما وضعت له في اللغة من غير أن يحلقه فساد في العبارة، وكل أية فلا تخلو من التضمين لم يذكر باسم أو صفة، فمن ذلك: "بسم الله الرحمن الرحيم" قد تضمن التعليم لاستفتاح الأمور على التبرك به والتعظيم لله بذكره، وإنه أدب من آداب الدين وشعار للمسلمين، وأنه إقرار بالعبودية واعتراف بالنعمة التي ھي من أجل نعمة، وإنه ملجأ الخائف ومعتمد للمستنجع".


المبالغة في القرآن عند الشّيخ الرّمّاني

يقول الإمام الرماني:

المبالغة ھي الدلالة على كبر المعنى على جھة التغيير عن أصل اللغة لتلك الإبانة، والمبالغة على وجوه منھا المبالغة في الصفة المعدولة عن الجارية بمعنى المبالغة، وذلك على أبنية كثيرة منھا:

  • فعلان
  • فعال
  • فعول
  • مفعل
  • مفعال
  • فعلان

وفعلان كرحمان عدل عن راحم للمبالغة، ولا يجوز أن يوصف به إلا الله عز وجل لأنه يدل على معنى لا يكون له، وھو معنى وسعت رحمته كل شيء.

ومن ذلك فعال كقوله عز وجل: (وإني لغفار لمن تاب) معدول عن غافر للمبالغة وكذلك تواب، وعلام.

ومنه فعول كغفور وشكور، وودود.

ومنه فعيل كقدير، ورحيم، وعليم.

ومنه مفعل كمعدس، ومطعن، ومفعال كمنجار، ومطعام.


الضرب الأول: المبالغة بالصيغة العامة في موضع الخاصة

كقوله تعالى: (خالف كل شيء) وكقول القائل: أتاني الناس، ولعله لا يكون أتاه (إلا) خمسة فاستكثرھم، وبالغ في العبارة عنھم.


 الضرب الثاني: إخراج الكلام مخرج الأخبار عن الأعظم الأكبر للمبالغة

كقول القائل: جاء الملك إذا جاء جيش عظيم له، ومنه قوله عز وجل: (وجاء ربك والملك صفا صفا) فجعل مجيء دلائل الآيات مجيئا له على المبالغة في الكلام، ومنه:(فأتى الله بنيانھم من القواعد) أي أتاھم بعظيم بأسه فجعل ذلك إتيانا له على المبالغة، منه قوله تعالى: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا).


الضرب الثالث: إخراج الممكن إلى الممتنع للمبالغة

منه قوله تعالى: (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط).


الضرب الرابع: إخراج الكلام مخرج الشك للمبالغة في العدل والمظاھرة في الحجاج

فمن ذلك: (وأنا وإياكم لعلى ھدى أوفي ضلال مبين)، ومنه: (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين)، وعلى ھذا النحو خرج مخرج قوله تعالى: (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا) جاء على التسليم أن لھم مستقرا خيرا من جھة السلامة من الآلام، لأنھم ينكرون إعادة الأرواح إلى الأجسام فقيل على ھذا أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا، ومنه: (وھو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وھو أھون عليه) على التسليم أن أحدھما أھون من الآخر فيما سبق إلى نفوس العقلاء.


الضرب الخامس: حذف الأجوبة للمبالغة

كقوله تعالى: (ولو ترى إذ وقفوا على النار)، و (لو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب)، ومنه: (ص. والقرآن ذي الذكر)، كأنه قيل: "لجاء الحق أو لعظم الأمر أو لجاء بالصدق".


البيان في القرآن عند الشيخ الرّمّاني

ونأتي إلى آخر باب وھو: باب البيان، ويقول الشيخ الرماني فيه:

"البيان ھو الإحضار لما يظھر به تميز الشيء من غيره في الإدراك".

والبيان على أربعة أقسام:

  1. كلام
  2. حال
  3. إشارة
  4. علامة

والكلام على وجھين:

  1. كلام يظھر به تميز الشيء من غيره فھو بيان
  2. كلام لا يظھر به تميز الشيء فليس بيان كالكلام المخلط والمحال الذي لا يفھم به معنى

ويكمل في سطر آخر قائلا: "وليس أن يطلق اسم بيان على ما قبح من الكلام، لأن الله قد مدح البيان واعتد به في أياديه الجسام، فقال: (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان)، ولكن إذا قيد بما يدل على أنه يعني به أفھام المراد جاز.

ويأتي في فقرة أخرى ويقول: "والقرآن كله في نھاية حسن البيان، فمن ذلك قوله تعالى: (كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم)، فھذا بيان عجيب يوجب التحذير من الاغترار بالإمھال.

وقال سبحانه: (إن يوم الفصل ميقاتھم أجمعين)، وقال: (إن المتقين في مقام أمين) فھذا من أحسن الوعد والوعيد، وقال: (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وھي رميم قل يحييھا الذي أنشأھا ول مرة وھو بكل خلق عليم) فھذا أبلغ ما يكون من الحجاج.

وقال: (أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين)، فھذا أشد ما يكون في التقريع.

وقال تعالى: (ولن ينفعكم اليوم إذا ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون)، فھذا أعظم ما يكون من التحسير.

وقال: (ولو ردوا لعادوا لما نھوا عنه)، وھذا أدل دليل على العدل من حيث لم يقتطعوا عما يتخلصون به من ضرر الجرم، ولا كانت قبائحھم على طريق الجبر.

وقال تعالى: (الأخلاء يومئذ بعضھم لبعض عدو إلا المتقين)، وھذا أشد ما يكون من التنفير على الخلة إلا على التقوى.

وقال تعالى: (أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله) فھذا أشد ما يكون من التحذير من التفريط.

وقال تعالى: (أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة). وھذا أشد ما يكون في التبعيد.

وقال عز وجل: (اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير) وھذا أعظم ما يكون من الوعيد.


بقلم الأستاذ الدّكتور عبد الواحد بوشداق

جامعة عبد المالك السّعدي كلية الآداب والعلوم الإنسانية مرتيل


قد يُثير انتباهك أيضا الطّلاع على الآتي:
وجوه إعجاز القرآن عند الإمام الخطّابي
تعريف القراءات لغة واصطلاحا

إرسال تعليق

اترك تعليقا (0)

أحدث أقدم